كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

إِكْرَاه على الْقَبْض: إِذْ لَا يُمكنهُ الْأكل بِدُونِهِ غَالِبا فَصَارَ غَاصبا، ثمَّ مَالِكًا للطعام بِالضَّمَانِ ثمَّ آذنا لَهُ بِالْأَكْلِ. وَفِيه أَنه بِمُجَرَّد الْقَبْض لَا يصير الْمَغْصُوب ملكا للْغَاصِب، بل لَا بُد من تغير يَزُول بِهِ اسْمه، وَأعظم مَنَافِعه، أَو مَا أشبه ذَلِك على مَا عرف فِي مَحَله (إِلَّا مَال) الْمَحْمُول: أَي إِلَّا إِذا أكره (الْفَاعِل) على أكل مَال نَفسه وَأكله حَال كَونه (جائعا فَلَا رُجُوع) لَهُ على الْحَامِل لِأَن الْمَنْفَعَة حصلت لَهُ (أَو شبعان فعلى الْحَامِل قِيمَته) أَي الطَّعَام الَّذِي أكله كرها (لعدم انتفاعه) أَي الْفَاعِل (بِهِ) أَي الطَّعَام، ذكره فِي الْمُحِيط أَيْضا، بل تضرر بِهِ لكَونه على الشِّبَع (والعقر على الْفَاعِل بِلَا رُجُوع) على الْحَامِل (أما لَو أتلفهَا) أَي الْمَوْطُوءَة بِالْوَطْءِ (يَنْبَغِي الضَّمَان على الْحَامِل وَكَذَا) اقْتصر حكم الْمُكْره عَلَيْهِ على الْفَاعِل (إِن احْتمل) كَون الْفَاعِل آلَة للحامل فِيهِ (و) لَكِن (لزم آليته) أَي الْفَاعِل للحامل، وآليته مفعول لزم، وفاعله (تبدل مَحل الْجِنَايَة) وَهُوَ الْمحل الَّذِي يَقع فِيهِ الْفِعْل الْجِنَايَة، وتبدله أَن يعْتَبر وُقُوعهَا فِي مَحل آخر (المستلزم) صفة التبدل (لمُخَالفَة الْمُكْره) على صِيغَة الْفَاعِل، لِأَنَّهُ قصد بإكراهه وُقُوع الْجِنَايَة فِي الْمحل الأول (المستلزمة) صفة الْمُخَالفَة (بطلَان الْإِكْرَاه) مفعول المستلزمة، وَذَلِكَ لِأَن الْإِكْرَاه إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا كَانَ الْمُكْره عَلَيْهِ مُرَاد الْمُكْره بِخِلَاف مُرَاد الْمُكْره يضْطَر إِلَى إِيقَاعه، وَمَعَ تبدل الْمحل لَا يُوجد هَذَا الْمَعْنى كَمَا سَيظْهر فِي الْمِثَال (كإكراه الْمحرم) محرما آخر (على قتل الصَّيْد لِأَنَّهُ) أَي الْإِكْرَاه الْمَذْكُور إِكْرَاه (على الْجِنَايَة على إِحْرَام نَفسه) أَي الْفَاعِل (فَلَو جعل) الْفَاعِل (آلَة) للحامل (صَار) قتل الصَّيْد جِنَايَة (على إِحْرَام الْحَامِل) فَلَا يكون إِثْبَاتًا بِمَا أكرهه عَلَيْهِ، فَيبْطل الْإِكْرَاه وَلقَائِل أَن يَقُول حَقِيقَة الْإِكْرَاه إلجاء الْمَحْمُول على الْفِعْل وإفساد اخْتِيَاره وَقد تحقق، فَلَو جعل الْمَحْمُول آلَة وَنسب الْفِعْل إِلَى الْحَامِل لَا يلْزم مِنْهُ بطلَان الْإِكْرَاه، غَايَة الْأَمر أَن الْحَامِل قد وَقع الْجِنَايَة على إِحْرَام الْمَحْمُول، وَالشَّرْع مَا صحّح قَصده فقلبه عَلَيْهِ فَتدبر وَقيل الِاقْتِصَار على الْفَاعِل يَنْبَغِي أَن يكون فِي حق الْإِثْم فَقَط، إِذْ الْجَزَاء فِي هَذِه الصُّورَة على كل من الْفَاعِل وَالْحَامِل وَأجِيب بِأَن الْفِعْل هَهُنَا قتل الصَّيْد بِالْيَدِ، فَجَزَاؤُهُ الْمُتَرَتب عَلَيْهِ مقتصر على الْفَاعِل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلُزُوم الْجَزَاء عَلَيْهِ) أَي الْحَامِل (مَعَه) أَي الْفَاعِل (لِأَنَّهُ) أَي إِكْرَاه الْحَامِل على قتل الصَّيْد (يفوق الدّلَالَة) أَي دلَالَته من يقتل على الصَّيْد، وفيهَا يجب الْجَزَاء، فَفِيهِ أولى، فَكل مِنْهُمَا جَان على إِحْرَام نَفسه: أَحدهمَا بِالْقَتْلِ، وَالْآخر بِمَا هُوَ فَوق الدّلَالَة (و) كالإكراه للْغَيْر (على البيع وَالتَّسْلِيم) لملكه الْمَبِيع (اقْتصر التَّسْلِيم على الْفَاعِل وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يقْتَصر عَلَيْهِ وَجعل آلَة للحامل (تبدل مَحل التَّسْلِيم عَن البيعية إِلَى المغصوبية) فَعلم أَن مَحل تبدل الْجِنَايَة تَارَة يكون بِاعْتِبَار

الصفحة 311