كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

ذَاته، وَتارَة بِاعْتِبَار وَصفه، وَذَلِكَ لِأَن التَّسْلِيم من جِهَة الْحَامِل يكون تَصرفا فِي ملك الْغَيْر على سَبِيل الِاسْتِيلَاء فَيصير البيع وَالتَّسْلِيم غصبا (بِخِلَاف نسبته) أَي التَّسْلِيم (إِلَى البَائِع فَإِنَّهُ متمم للْعقد فَيملكهُ) أَي المُشْتَرِي الْمَبِيع (ملكا فَاسِدا) لانعقاد بَيْعه وَعدم نفاذه لفساد فِي الِاخْتِيَار بِسَبَب الْإِكْرَاه (وَإِن) احْتمل كَون الْفَاعِل آلَة للحامل فِي الْفِعْل الْمُكْره عَلَيْهِ (لم تلْزم) آليته تبدل مَحل الْجِنَايَة (كعلى إِتْلَاف المَال وَالنَّفس، فَفِي) الْإِكْرَاه (الملجئ). وَقد عَرفته (نسب) الْفِعْل (إِلَى الْحَامِل ابْتِدَاء) لَا نقلا من الْفَاعِل إِلَيْهِ كَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمَشَايِخ (فَلَزِمَهُ) أَي الْحَامِل (ضَمَان المَال) فِي إكراهه الْغَيْر على إِتْلَاف المَال، وَالْقصاص فِي إكراهه على الْقَتْل كَمَا هُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد. وَقَالَ زفر: الْقصاص على الْفَاعِل، لِأَنَّهُ قَتله لَا حَيَاء نَفسه عمدا. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا قصاص على أحد، بل الْوَاجِب الدِّيَة على الْحَامِل فِي مَاله ثَلَاث سِنِين، لِأَن الْقصاص إِنَّمَا هُوَ بِمُبَاشَرَة جَنَابَة تَامَّة، وَقد عدمت فِي حق كل من الْفَاعِل وَالْحَامِل، وَلَهُمَا أَن الْإِنْسَان مجبول على حب الْحَيَاة، فَقدم على مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى إبْقَاء الْحَيَاة بقضية الطَّبْع بِمَنْزِلَة آلَة لَا اخْتِيَار لَهَا كالسيف فِي يَد الْقَاتِل، فيضاف الْفِعْل إِلَى الْحَامِل (و) يلْزمه (الْكَفَّارَة وَالدية فِي إكراهه على رمي صيد فَأصَاب إنْسَانا على عَاقِلَة الْحَامِل) وَإِنَّمَا كَانَ الْفَاعِل آلَة للحامل فِي هَذِه الْحَالة (لِأَنَّهُ عَارض اخْتِيَاره) أَي الْفَاعِل (اخْتِيَار صَحِيح) وَهُوَ اخْتِيَار الْحَامِل وَالْفَاسِد فِي مُقَابلَة الصَّحِيح كَالْمَعْدُومِ (وَكَذَا حرمَان الْإِرْث) ينْسب إِلَى الْحَامِل، لِأَن الْفَاعِل يصلح آلَة للحامل بِاعْتِبَار تَفْوِيت الْمحل (أما الْإِثْم) فالفاعل لَا يصلح آلَة للحامل فِي حَقه إِذْ لَا يُمكن لأحد أَن يجني على دين غَيره، ويكتسب الْإِثْم لغيره لِأَنَّهُ قصد الْقلب، وَلَا يتَصَوَّر الْقَصْد بقلب الْغَيْر كَمَا لَا يتَصَوَّر التَّكَلُّم بِلِسَان الْغَيْر وَأَيْضًا على تَقْدِير كَونه آلَة يلْزم تبدل مَحل الْجِنَايَة، كَذَا قَالَ الشَّارِح وَلَا يخفى أَن عدم إِمْكَان اكْتِسَاب الْإِثْم لغيره إِذا لم يكن ذَلِك الْغَيْر مكْرها لَهُ مُسلم. وَأما إِذا كَانَ مكْرها فَغير مُسلم، وَقصد قلبه للإكراه كَاف، وَلَا عِبْرَة لقصد الْفَاعِل لفساد اخْتِيَاره، فَكَأَن قصد الْقَتْل إِنَّمَا وَقع من الْحَامِل لَا الْفَاعِل، وَلَيْسَ هَهُنَا تبدل مَحل الْجِنَايَة على الْوَجْه الْمَذْكُور آنِفا (فعلَيْهِمَا) أَي الْحَامِل وَالْفَاعِل الْإِثْم (لحمله) الْفَاعِل على الْقَتْل (وإيثار الآخر) وَهُوَ الْفَاعِل (حَيَاته) على من هُوَ مثله، وَهَذَا (فِي الْعمد وَفِي الْخَطَأ لعدم تثبتهما) أَي الْحَامِل وَالْفَاعِل (و) فِيمَا (فِي غَيره) أَي غير الْإِكْرَاه الملجئ (اقْتصر) حكم الْفِعْل (على الْفَاعِل) لعدم مَا يفْسد الِاخْتِيَار، وَهُوَ الْمُوجب لجعل الْفَاعِل آلَة للحامل وَنسبَة الْفِعْل إِلَيْهِ دون الْفَاعِل (فَيضمن) الْفَاعِل مَا أتْلفه من مَال غَيره (ويقتص) مِنْهُ بقتل غَيره عمدا عُدْوانًا (وكل الْأَقْوَال) الصَّادِر ذكرهَا (لَا تحْتَمل آلية قَائِلهَا) للحامل عَلَيْهَا (لعدم قدرَة الْحَامِل على تطليق

الصفحة 312