كتاب الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم (اسم الجزء: 2)

وفيه (فإنكم لا تذكرونه في كثير إلا قلله) ففي كثرة ذكره قصر الأمل وانتظار الأجل "ولا ذكر في قليل إلا كثره) لاستقلال ذاكره ما بقي من عمره لأن قليل الدنيا إذا علم انقطاعه بالموت استكثره ما عنده. وللديلمي "أكثروا ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيا الله قلبه وهون عليه الموت" ولابن حبان وغيره "أكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه ما ذكره عبد قط في ضيق إلا وسعه ولا في سعة إلا ضيقها".
فإنه لا بد للإنسان في هذه الدار من ضيق وسعة.
ونعمة ونقمة. فيحتاج إلى ذكر الموت لينخفض عنه بعض ما هو فيه من صعوبة الشدة وغفلة النعمة. وروي من حديث أنس "أكثروا ذكر الموت فإن ذلك تمحيص للذنوب وتزهيد في الدنيا" ولابن أبي الدنيا "فإنه يمحق الذنوب ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم" وللترمذي وغيره عن ابن مسعود "وليذكر الموت والبلى" ولابن ماجه وغيره بسند جيد سئل أي الناس أكيس وأحزم؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم لما بعده استعدادا أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة".
ودلت هذه الأحاديث ونحوها على تأكد سنية الإكثار من ذكر الموت لأنه أدعى إلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي
وإلى الاستعداد له بالمبادرة إلى التوبة من المعاصي
والخروج من المظالم لئلا يفجأه الموت بغتة.

الصفحة 8