كتاب الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم (اسم الجزء: 2)

(وعن أنس مرفوعا "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به) من بلاء ومحنة أو خشية من عدو أو مرض أو فاقة أو نحوها من مشاق الدنيا لما في ذلك من الجزع وعدم الصبر على القضاء وعدم الرضا. والخبر خرج مخرج العالب لأن المرء لايتمنى الموت إلا من ضر. فيكره تمنيه ولو لغير ضر أصابه. ولهما "لا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد وإما مسيئا فلعله أن يستعتب" ولمسلم "لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به قبل أن يأتيه. إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا".
ولأحمد وغيره: "إن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة". وعن بعض السلف: إن كان من أهل الجنة فالبقاء خير له. وإن كان من أهل النار فما يعجله إليها. ولما في التمنى المطلق من الاعتراض ومراغمة القدر. والمرض ونحوه كفارة له. وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة" وقال "ما من شئ يصيب المؤمن إلا يكفر الله به عنه سيئاته ".
وهو موعظة في المستقبل إلا لضرر في دينه من خوف وقوع في فتنة ونحوها فلا يكره فإن الخبر يرشد إلى أنه لا بأس به بل يستحب. وفي الحديث "وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون" صححه الترمذي وغيره ولقوله تعالى {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} وقوله {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} ويستحب تمني

الصفحة 9