كتاب لوامع الأنوار البهية (اسم الجزء: 2)

الْمَوْتِ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنَى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ، وَسَبَبُ تَفْضِيلِهَا كَوْنُهَا تَتَأَتَّى مَعَهَا الْعُلُومُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَاتُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ كَالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْوِلَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَتَعَذَّرَ جَمِيعُ ذَلِكَ مَعَ الْمَوْتِ - يَعْنِي ابْتِدَاءَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَنْقَطِعْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِالْمَوْتِ وَلَا تَفْنَى وَلَا تَضْمَحِلُّ بَلْ تَدُومُ وَتَسْتَمِرُّ - وَتِلْكَ لِلْحَيَاةِ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ.
(الْقَاعِدَةُ) الثَّانِيَةُ التَّفْضِيلُ بِالصِّفَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ كَتَفْضِيلِ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ وَالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ عَلَى الْمُوجَبِ بِالذَّاتِ بِسَبَبِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ الْقَائِمِ بِهِ، وَتَفْضِيلِ الْقَادِرِ عَلَى الْعَاجِزِ بِسَبَبِ الْقُدْرَةِ الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ، فَهَذَا كُلُّهُ تَفْضِيلٌ بِالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ لِذَاتِهِ وَبِهِ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى.
(الْقَاعِدَةُ) الثَّالِثَةُ التَّفْضِيلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَتَفْضِيلِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ، وَتَفْضِيلِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَأَحَلَّ تَعَالَى ذَبَائِحَهُمْ وَأَبَاحَ تَزْوِيجَنَا مِنْ نِسَائِهِمْ دُونَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا ذَبَحُوهُ كَالْمَيْتَةِ وَتَصَرُّفَهُمْ فِيهِ بِالذَّكَاةِ كَتَصَرُّفِ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ مِنَ السِّبَاعِ وَالْكَوَاسِرِ فِي الْأَنْعَامِ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ، وَجَعَلَ نِسَاءَهُمْ كَإِنَاثِ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ مُحَرَّمَاتِ الْوَطْءِ، كُلُّ ذَلِكَ اهْتِضَامٌ لَهُمْ لِجَحْدِهِمُ الرِّسَالَةَ وَالرُّسُلَ، وَكَتَفْضِيلِ الْوَلِيِّ عَلَى آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقَصِّرِينَ فِي الطَّاعَةِ، وَقِيلَ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى أَصْلِ الدِّينِ الْوَاجِبِ وَكَثْرَةِ طَاعَةِ الْوَلِيِّ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَ وَلِيًّا أَيْ تَوَلَّى اللَّهَ بِطَاعَتِهِ، وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّاهُ بِلُطْفِهِ، وَلِذَلِكَ أَيْضًا تَفَاضَلَ الْأَوْلِيَاءُ بَيْنَهُمْ بِكَثْرَةِ الطَّاعَةِ فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَتْ رُتْبَتُهُ فِي الْوِلَايَةِ أَعْظَمَ، وَبِتَفْضِيلِ الشَّهِيدِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لِأَنَّهُ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى بِبَذْلِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ وَأَعْظِمْ بِذَلِكَ طَاعَةً، وَكَتَفْضِيلِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الشُّهَدَاءِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مَا جَمِيعُ الْأَعْمَالِ فِي الْجِهَادِ إِلَّا كَنُقْطَةٍ فِي بَحْرٍ، وَمَا الْجِهَادُ وَجَمِيعُ الْأَعْمَالِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إِلَّا كَنُقْطَةٍ فِي بَحْرٍ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «لَوْ وُزِنَ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ وَدَمُ الشُّهَدَاءِ لَرَجَحَ» . بِسَبَبِ طَاعَةِ الْعُلَمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِضَبْطِ شَرَائِعِهِ وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ الَّتِي

الصفحة 411