كتاب لوامع الأنوار البهية (اسم الجزء: 2)

وَالْحِكْمَةِ وَالْأَحْكَامِ، فَرَأَيْتُهَا لَا تَشْفِي مِنْ سِقَامٍ، وَلَا تَرْوِي مِنْ أُوَامٍ، وَلَا تَهْدِي مِنْ ضَلَالٍ، وَلَا تُجْدِي مِنْ نَوَالٍ، هَذَا وَاللُّبُّ عَاكِفٌ عَلَى الْآثَارِ، عَارِفٌ بِثَمَرَاتِ الْأَخْبَارِ، كَارِفٌ مِنْ نَشْرِهَا مَا يُزِيلُ نَتِنَ الْآرَاءِ، غَارِفٌ مِنْ بَحْرِهَا مَا يُطْفِئُ حَرَارَاتِ الْأَهْوَاءِ، مُقْتَبِسًا مِنْ أَنْوَارِهَا مَا يَقْشَعُ ظُلُمَاتِ الْأَفْكَارِ الْفَلْسَفِيَّةِ، مُلْتَمِسًا مِنْ أَسْرَارِهَا مَا يَقْمَعُ شُبُهَاتِ الْأَنْظَارِ الْكَلَامِيَّةِ، مُقَيِّدًا مِنْهَا بِمَا يُزِيلُ الْخَيَالَاتِ الْمُعْتَزِلِيَّةِ، مُعْتَمِدًا مِنْهَا عَلَى مَا يَغْسِلُ الزَّبَّالَاتِ الرَّافِضِيَّةِ، فَلَيْسَ لِي فِي كُلِّ سَيْرِي قَلَّدًا، وَلَا فِي اعْتِقَادِي قُدْوَةً مُعْتَمَدًا ((إِلَّا النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى)) مِنْ سَائِرِ الْعَالَمِ لْمُخْتَارُ مِنْ سَائِرِ بَنِي آدَمَ، ((مُبْدِي)) أَيْ مُظْهِرُ وَمُبِينُ وَكَاشِفُ ((الْهُدَى)) بِالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَةِ، وَمُرْشِدُ الْعَالَمِ إِلَى سُلُوكِ الْمَسَالِكِ النَّاجِحَةِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْهِدَايَةِ، بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ، فَقَدْ بَذَلْتُ وُسْعِي فِي اقْتِفَاءِ آثَارِهِ، وَانْتِقَاءِ أَخْبَارِهِ، وَسَبْرِ أَحْوَالِهِ، وَنَشْرِ أَقْوَالِهِ، وَتَهْذِيبِ سِيرَتِهِ الشَّرِيفَةِ، وَثُبُوتِ شَرِيعَتِهِ الْمُحْكَمَةِ الْمُنِيفَةِ، فَكَرَعْتُ مِنْهَا عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ، وَشَرِبْتُ عَذْبًا زُلَالًا صَافِيًا بَرِيًّا مِنْ زَبَّالَاتِ الْآرَاءِ وَالزَّلَلِ، فَذَاكَ مُعْتَمَدِي مَدَى الْعُمْرِ، لَا زَيْدٌ وَلَا بَكْرٌ، وَلَا خَالِدٌ وَلَا عَمْرٌو.
((صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ)) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَنْ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، ((مَا قَطْرٌ نَزَلَ)) أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ نُزُولِ الْأَمْطَارِ وَتَدَاوُلِ الْأَعْصَارِ، وَالْقَطْرُ هُوَ الْمَاءُ وَالنُّزُولُ وَكَفُّهُ مِنَ الْعُلُوِّ إِذَا هَطَلَ، ((وَ)) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((مَا تَعَانَى)) الْمُعْتَنُونَ ((ذِكْرَهُ مِنَ الْأَزَلِ)) فِي الْأَعْصَارِ الْخَالِيَةِ وَالْأَطْوَارِ الْبَالِيَةِ وَالْقُرُونِ الْفَانِيَةِ وَالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ زَمَانٌ مِنْ ذِكْرِهِ وَلَا أَوَانٌ مِنَ التَّنْوِيهِ بِشَرْعِهِ وَمَبْعَثِهِ وَنَهْيِهِ وَأَمْرِهِ إِلَى أَنْ جَاءَ إِبَّانُ رِسَالَتِهِ زَمَانُ بِعْثَتِهِ وَظُهُورُ مَقَالَتِهِ فَظَهَرَتْ شَمْسُ نُبُوَّتِهِ عَلَى سَائِرِ كَوَاكِبِ النُّبُوَّاتِ، فَانْخَنَسَتْ وَبَهَرَتْ رِسَالَتُهُ الْمَقَالَاتِ فَانْطَمَسَتْ، ((وَ)) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((مَا انْجَلَى)) أَيْ تَفَرَّقَ وَزَالَ وَانْكَشَفَ ((بِهَدْيِهِ)) النَّاصِعِ وَنُورِ شَرْعِهِ الْمَشْرِقِ اللَّامِعِ ((الدَّيْجُورُ)) أَيِ الظَّلَامُ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الدَّيْجُورُ التُّرَابُ وَالظَّلَامُ وَالْأَغْبَرُ الضَّارِبُ إِلَى السَّوَادِ. أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ انْجِلَاءِ ظَلَامِ الشِّرْكِ وَسَوَادِ الْإِفْكِ وَغُبَارِ الْبِدَعِ وَالِابْتِكَارِ بِمَنَارِ هَدْيِهِ وَنُورِ شَرْعِهِ الَّذِي أَزَالَ كُلَّ ظِلَالٍ وَأَطْفَأَ كُلَّ نَارٍ، ((وَ)) مَا بِهَدْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((رَاقَتْ)) أَيْ صَفَتْ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ:

الصفحة 454