كتاب التلخيص في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)
وَهَذَا مَذْهَب أطلق حكايته، وَلم ينْسب إِلَى أحد من أهل الْمذَاهب، وَهُوَ تَصْرِيح بخرق الْإِجْمَاع من وَجْهَيْن اثْنَيْنِ، أَحدهمَا أَن الْأمة أَجمعت أَنه وَجب على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبْيِين أَحْكَام الشَّرِيعَة، ثمَّ أَجمعُوا على أَن الشَّرِيعَة لَا تَنْحَصِر فِي الْوَاجِبَات وَلَكِن مِنْهَا: الْإِبَاحَة، وَمِنْهَا النّدب، فَإِن زعمتم أَن الْوَاجِب تَبْيِين الْوَاجِبَات فقد خرقتم الْإِجْمَاع.
وَالْوَجْه الثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي يُقَوي ذَلِك أَن الْمُكَلّفين لَو لم ينبهوا على مَا يحل لَهُم من مكاسبهم ومطالبهم مَا يتعيشون بِهِ أفْضى ذَلِك إِلَى انْقِطَاع الخليقة عَن أَسبَاب المعاش، فقد أجمع الْمُسلمُونَ فِي الْعَصْر الخالية على وجوب الْإِرْشَاد على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثل هَذِه الْحَالة.
[923] فَإِن قيل: فَإِذا بَين الْمَحْظُورَات فقد تبين أَن مَا عد هَذَا مُبَاح؟
قُلْنَا: فقد صرحتم أَن تَبْيِين الْمُبَاح حتم من الْوَجْه الَّذِي ذكرتموه، وَبَطل قَوْلكُم أَن تَبْيِين الْمُبَاح مُبَاح، على أَن فِيمَا عدا الْمَحْظُورَات فَردا ينْدب الْمُكَلّفين إِلَيْهَا وَلَا تتصف بِالْإِبَاحَةِ فَلَا يَصح إِطْلَاق القَوْل بِأَن مَا عدا الْمَحْظُورَات مُبَاح، فَبَطل ذَلِك جملَة وتفصيلا.
[924] فَإِن قيل: فَإِذا أوجبتم على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيَان النَّوَافِل وَالسّنَن فَلَو بَينهَا بِفِعْلِهِ وَجب أَن تحكموا بِأَن فعله يَقع وَاجِبا.
قُلْنَا: هَذَا مقصودنا بِعقد هَذَا الْفَصْل وَهُوَ مَا نقُول بِهِ مَعَ كَافَّة الْمُحَقِّقين. فَيجب عَلَيْهِ الْبَيَان باحد وَجْهَيْن، إِمَّا بالْقَوْل، وَإِمَّا بِالْفِعْلِ، فَإِذا آثر التَّبْيِين بِالْفِعْلِ وَقع الْفِعْل بَيَانا وَاجِبا وَإِن كَانَ لَوْلَا قصد الْبَيَان لَكَانَ
الصفحة 250