كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

عليه، فاضطروه إلى المسير معهم إلى الحضرة لالتماس ذلك، فسار إلى الجيزة، وطلع إلى الوزير وعرفه الحال؛ فقال ما أخرنا ذلك عنهم إلا أن السنة كثيرة النفقات والطوارئ، وهذه ألف دينار أنفقها فيهم إلى أن تحمل باق مالهم مع مال العسكر. فأخذ الألف وعرفهم ما قال الوزير. فامتنعوا عن الأخذ، وأبوا إلا قبض الثلاثة آلاف، وألزموه بالعود. فعاد، وعرف الوزير؛ فاغتاظ، وأمر لهم بألف أخرى. فنزل إليهم، فأبوا إلا أخذ الجميع، وجفوا في الخطاب؛ فعاد إلى الوزير، وعرفه؛ فغضب وقال: إجابتهم إلى ما التمسوه دفعةً بعد أخرى طمعهم طمعهم؛ والله لا أطلق لهم درهماً واحداً. واستعاد الألفي دينار، وتقدم بتجريد العسكر لهم؛ فتسرع يزحف مع ليث الدولة كافور الشرابي، ونزل إليهم؛ فإذا هم قد تأهبوا للقائهم. فجرت بينهم وقفة قتل فيها اثنان من العسكر وحجز بينهما الليل.
وبلغ الوزير ذلك، فشق عليه إقدامهم على المحاربة، سيما بنو قرة فإنهم صلوا الحرب وكانوا فيها أشد من الطلحيين. فأخذ الوزير يجرد إليهم العساكر، فانطردوا وجمعوا حشودهم، والتقوا بكوم شريك، وكانت الدائرة عليهم وقتل منهم خلق كثير. وأنهزموا والعساكر تتبعهم، فأحاطت بأموالهم من كل ما يملكونه؛ وفر بنو قرة على وجوههم إلى برقة ومعهم الطلحيون، فانقطع أثرهم من البحيرة إلى اليوم، وصاروا مطردين في قبائل العرب نحواً من أربعين سنة.
وكان كل من بالحضرة يفند رأى الوزير في تجهيز العساكر إليهم ويحكمون بأنهم لا يفارقون إلى البحيرة، فجاء الأمر بخلاف ظنهم.

الصفحة 219