كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

لابن بنت النبي الذي هو أولى بمكانه من غيره. وإن رغبت في المهادنة والموادعة انتظمت الحال بين الدولتين، وأمن الناس بينهما. فإن أبيت إلا الخلاف، ونزع الهوى بك إلى الظنون الفاسدة، والأطماع الكاذبة فليس لك عندي إلا السيف. فإن شئت فأقم، وإن شئت فسر.
فغاظ ذلك طغرلبك وقال: خدعني هذا الفلاح وسخر مني. وكتب إلى إبراهيم بن ينال، أخي طغرلبك لأمه، برد العسكر مسرعا، فلم يتأت له اجتماعهم. وكان اليازوري قد بث عيونه وجواشيه في عسكر طغرلبك واستفسد أعيانهم بكثرة الأماني والمواعيد، مثل خاتون زوج طغرلبك، والكندري وزيره، وابراهيم ينال أخيه وصاحب جيشه؛ فمالوا إليه وقعدوا عن صاحبهم. وحمل خاتون على قتله، فامتنعت من ذلك وواعدته أنها تتحيز بغلمانها، وهم نحو اثني عشر ألفا، عنه؛ فاعتزلت بهم. وكان ذلك ظفر البساسيري بعسكر طغرلبك، وظفر كثير منهم، ورجوع طغرلبك من بغداد طالباً لجمع عسكره الذي تفرق عنه. وهو أنه سار في هذه السنة ملك البساسيري وقريش الموصل بعد حصار شديد نحو أربعة أشهر حتى هدم قلعتها. فخرج طغرلبك يريدهما، فسارا عن الموصل، وهو يتبعهما، إلى نصيبين؛ ففارقه إبراهيم ينال وقصد همذان، ولحقه الأتراك الذين كانوا ببغداد. ففت ذلك في عضد طغرلبك وترك ما هو فيه، ورجع ليضم إليه من تفرق عنه، وترك بغداد. فقوى أبو الحارث البساسيري، وكثف جمعه، وقصد أعمال العراق، ففتح بلداً بلداً، وتملك الأعمال والرساتيق طوعاً وكرهاً، والدولة المصرية تمده بما يستعين به على ذلك؛ وهو لا ينفذ في أمر من الأمور إلا بما يقرره اليازوري. فكثرت حساده على ما يتوالى من سعادته في كل يوم، وما يتجدد له من رئاسة يقتضيها حسن آثاره في الدولة، وتأثيراته في جميع الأطراف والممالك بلطف السياسة ومحكم

الصفحة 237