كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

فلما كان في سنة سبع وأربعين وقصر النيل نزع السعر وغلا حتى بلغ التليس ثمانية دنانير وصار الخبز طرفة. وكان المستنصر يحضر دار اليازوري كل يوم ثلاثاء على عادته، فتقدم إليه المائدة، فإذا هي على ما يعهد لم يخل منها بشيء حتى الدجاج الفائق؛ فقال لصاحب مطبخه: ويلك، يكون راتب مائدة الوزير الدجاج الفائق ومائدتي دون ذلك! فقال: يا مولانا ما ذنبي إذا قصر بك أصحاب دواوينك ولم يطلقوا لمائدتك ما ألتمسه منهم، والوزير فلا تتجاسر وكلاؤه أن يقصروا في شيء مما جرت العادة به في راتب مائدته وغيرها، مع تقدمه إليهم في كل يوم بالزيادة فيها وفي راتب داره.
فلما تظافر عداه عليه لم يشعر إلا في ساعة القبض، فكتب إلى أبي الفرج البابلي وكان قد قدمه وأحسن إليه ورفعه على جميع أصحاب الدواوين، واستخلصه دونهم، كما يأتي إن شاء الله عند ذكر وفاته بعد البسملة: عرفنا يا أبا الفرج أطال الله بقاءك وأدام عزك تغير الرأي فينا، وسوء النية والطوية؛ فإن يكن هذا الأمر صائراً إليك فاحفظ الصحبة، وارع واجب الحرمة؛ وإن يكن صائراً إلى غيرك فابتغ لنفسك نفقا في الأرض. على أنا نشير عليك: إن دعيت إليه فأبى عنه فإنه أصلح لك وأعود علينا. والسلام.
ودعى البابلي للأمر، ووزر، لأنه لم يكن في الدولة من يتقدمه لما وطأة اليازوري وأمله من تقديمه وتمييزه. وكان اعتزاله يغطي على عيوبه، فلما ولي الوزارة بان للناس من رقاعته وحدته وكثرة شره ما افتضح به؛ وتجرد لمقابلة إحسان اليازوري بكل قبيح وذكره بما لا يستحق من الغض. وكانت الرقعة التي كتبها إليه من أعظم ذنوبه عنده فكان يقول؛ يخاطبني وهو على شفير القبر بنون العظمة! ولا يذكره إلا بالسفاهة واللغو، فسقط قدره من أعين الكافة وحذره كل أحد. ثم لم يقنعه كون اليازري في

الصفحة 240