كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

أموالي؟ فلم تجبه. فرفع طرفه ونظر إليه وإلى الجماعة وفيهم حيدرة السياف، وقال لطاهر: يا كلب تجيء وهذا معك، وأشار بيده إلى السياف، وتسألني بعد ذلك؛ ولكن قل له يا مولانا قبض علي وأنا آمن على نفسي، فإن يكن عندي مال، فقد وجدته في داري، وكنت داعيك وثقتك المؤيد في الدين. في القمطرة الفلانية ما يشهد بذكر مالك أين هو. فأشار طاهر إلى أولئك، فأخذوه، وضربت عنقه في ليلة الثاني والعشرين من صفر؛ وحملت رأسه مع طاهر إلى القاهرة، وطرحت جثته على مزبلة ثلاثة أيام. ثم ورد الأمر بتكفينه، فكفن بعد أن غسل، وحنط بحنوط كثير، وحمل ليلاً ودفن وقد وضع رأسه مع جثته.
وكان له من المآثر المرضية، والخلال الحميدة، والأفعال الجميلة، والخلائق الرضية ما يتجمل الملوك بذكره. منها أنه كنت له مائدة يحضرها كل قاض فقيه وأديب جليل القدر، فإذا قدمت فكأنها الرياض من حسنها وسعة نفسه. وكان الملازمون لمائدته نحو العشرين نسمة، فيكون عليها كأحدهم. وقال عميد الدولة: أقمت معه خمس عشرة سنة قبل وزارته ملازماً له في المبيت والصباح، فكنت أراعيه في حالاته كلها ليلاً ونهاراً، فلا أرى يتغير علي منها شيء ولا يتبين لي منه غضب من رضا؛ فأقبلت أدقق التأمل له في حالتي غضبه ورضاه شهورا حتى تبين لي، فكان إذ رضى توردت وجنتاه بحمرة، وإذا غضب اصفرت محاجر عينيه، فعرفت أبي بذلك؛ فقال: يا بني هذا غاية في سكون النفس وصحة الطباع واعتدال المزاج.
وكانت طبائعه الأربعة على السواء، فإذا أخل عمل طبيعة منها عهده أخذ بإصلاحها حتى يعود إلى ما يعهده من استقامتها. وكان لا يعطل شرب الدواء يوماً واحداً فيشرب السكنجيين والورد أسبوعا ثم يريح نفسه ثلاثة أيام؛ ثم يشرب النقوع المغلى في

الصفحة 243