كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

الشتاء والمنجم منه في الصيف أسبوعا لكل منهما؛ ويشرب ماء البذور أسبوعا؛ ويشرب ماء الجين ثمانية أيام؛ ويشرب ماء البقل أسبوعا ثم يشرب الراوند المنقوع كذلك؛ ويريح نفسه بين كل دوائين ثلاثة أيام، لا يخل بذلك في صيف ولا في شتاء.
وكان ندي الوجه كثير الحياء لا يكاد يرفع طرفاً إلا لضرورة؛ ولم يسمع منه قط في سؤال لفظة لا. بل كان إذا سئل فما يرى إجابة سؤاله إليه يقول نعم، بانخفاض من طرفه وخفوت من صوته، فإذا سئل فما يرى الإجابة إليه يطرف ولا يرفع طرفه؛ وعرف هذا منه فلا يراجع فيه إلا بعد مدة. وكان كل من يحضر مائدته يستدعى منه الحضور بين يديه لئلا يستمروا عنده؛ وكان فيهم من يشرب السكر، فإذا حضروا عرفوا مجالسهم وما قرره لهم، فكان من لا يشرب النبيذ يجلس عن يمينهن ومن يستعمله يجلس عن يساره؛ وبين يدي كل منهم الفواكه الرطبة واليابسة والحلاوة، وستارة الغناء مضروبة؛ فيجلسون وهو مشغول يوقع، وهم يتحدثون همساً وإشارةً وإيماءً، إلى أن ينقضي أربه من التواقيع فيستند وينشطهم بالحديث ويقول: قد تجدد اليوم كذا وكذا، فما عندكم فيه. فيقول كل أحد ما يراه وهو يسمع لهم، حتى يستكمل الجماعة الذين عن يمينه ثم يعطف على شماله فيقول: من هناك قولوا، فيقولون وهو يسمع ولا يرد على أحد شيئا فلا يصوب المصوب ولا يخطىء المخطىء، ويبيت يضرب الآراء بعضها ببعض حتى يمحض له الصواب، ويصبح يرمي فلا يخطىء. فكانت أفعاله هكذا طول مدته، لا يستبد قط برأيه ولا يأنف من المشورة، بل يقول: المستبد برأيه واقف على مداحض الزلل، وفي الاستشارة كل عقول الرجال. وبهذا تم له ما كان يدبره حتى ترك فيما رامه من الطرز الآثار الباقي ذكرها.
وجاء ارتفاع الدولة في أيامه ألفي ألف دينار، يقف منها ويسكن، وينصرف للرجال وللقصور وللعمائر وغيرها، ويبقى بعد ذلك مائتا ألف دينار حاصلة، يحملها كل سنة

الصفحة 244