كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

إلى بيت المال. فحظى بذلك عند سلطانه، وتمكن منه، وارتفع قدره حتى سأل أن يكتب على سكة نقش عليها: ضربت في دولة آل الهدى من آل طه وياسين، مستنصر بالله جل اسمه، وعبده الناصر للدين سنة كذا، وطبعت عليها الدنانير مدة شهر ثم أمر المستنصر بمنعها، ونهى أن تسطر في السير.
وكانت أيام نظره حوامل لتوالي الفتوحات وعمارة الأعمال. وكان شريف الأخلاق، عالي الهمة كريم الطباع، وطىء الأكناف، مستحكم الحلم، واسع الصدر، ندي الوجه، يستقل الكثير، ويستصغر كل كبير. وكان إذا أعطى أهنأ، وإذا أنعم على إنسان أسبغ، وإذا اصطنع أحداً رفعه إلى ما تقصر الآمال والأماني عنه؛ مع عظيم الصدقة، وجزيل البر الذي عم به أهل البيوتات مما جعله لهم من المشاهرات على مقاديرهم. وكذلك الأشراف والفقراء وأهل الستر بالقرافة، فكان يجري عليهم البر والكساء على يد بعض اليهود، ويعرف بابن عصفورة، وكيل السيدة أم المستنصر، فكانوا يظنون أنه من إنعامها؛ فلما زالت أيامه انقطع عنهم ما كان يصل إليهم من البر، فخاطبوا ابن عصفورة وقالوا: قد جفينا من مولانا ومولاتنا، فلو أدركتهما بنا فقال لهم: ما ترون ما كان يجيئكم حتى يتولى الله ناصر الدين أخي. فقالوا: نحن التمسنا من مولانا المستنصر ومولاتنا السيدة الوالدة ولم نلتمس من ناصر الدين. فقال: ما كان يجيئكم ذاك إلا من الوزير. فعجبوا من ذاك وأكثروا من الترحم عليه.
ومما يذكر عنه أنه كتب: العالي بالله إدريس بن المعتلى بالله يحيى بن الناصر لدين الله علي بن حمود من خالقه إلى مصر مكاتبة يقول فيها: من أمير

الصفحة 245