كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

المؤمنين العالي بالله إلى أمير المؤمنين المستنصر بالله. فعيب عليه بمصر قلة تصوره ومعرفته بأنه لا يجوز أن يكون أمير المؤمنين في زمان واحد اثنان. ثم ألجأت الضرورة إلى مكاتبته بنحو مما كتب، وكان اليازوري إذ ذاك وزيرا، فقال أنا أخلص هذه القضية وأعلقها بمعنى دقيق لا يبين للمكاتب، وكان صاحب حيل؛ يكتب إليه: من أمير المؤمنين المستنصر بالله معد إلى العالي بالله أمير المؤمنين خالقه؛ وهذا من طريف التخلصات التي تميز بها.
وحكى عظيم الدولة متولى السر، قال: كنت في جملة الموكلين على الناصر ثم على البابلي بعده، فكنت أرى من رئاسة الوزير الأول يعني اليازوري على شبيبته ورجاحته وسكون حاشيته، ومن طيش البابلي وخفته ونقصه ما أعجب منه؛ وهو أني لما كنت موكلا باليازوري كنت أراه ملازماً لعتبة باب المجلس في القاعة لا يتغير مكانه منها. وكان البابلي يراسله بما يمضى ويوصينا إذا مضينا إليه بالإزعاج عند فتح الباب وإكثار قلقلته لنزعجه ونروعه بذلك؛ فوالله ما كان يكترث ولا ينزعج. وإذا دخل متولى الستر يكون جلوسه منه في الاعتقال كجلوسه منه في حال نظره، ويخاطب بما يرضى فيجيب بسكون وهدوء وكأنه في الدست جالس. فدخل إليه في أكثر من ثلاثين صقلبيا وبلغهما أوصاه البابلي، فأجابه، ثم نهض وقال: يا سيدي صرفتني من الستر بغير ذنب ثم أعدتني إليه بغير مسألة، فما كان سبب ذلك؟ فرفع طرفه إليه كأنه يخاطبه من دست الوزارة وقال له: كان صرفك في الأول برأيي واختياري ثم أعدتك لما عرفت من ميل مولانا إلى استخدامك. فخرج متولي الستر وهو يعجب من سكون حاله وقلة احتفاله في الجواب، مع حاجته إليه في مثل ذلك الوقت الذي يقدر فيه على الإحسان إليه وعلى الإساءة؛ وكان يظن أنه يعتذر إليه، فلم يكن منه غير ما تقدم ذكره.

الصفحة 246