كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

وكان أكثر وقته صائماً وهو يتلو القرآن ولا يسأل عن طعام ولا شراب. وكان في حال وزارته كثير الصمت مواصل الإطراق، ساكن النفس هادئ الطباع، فكان يظن أن ذلك من تيه وصلف وإعجاب وقلة احتفال بالناس؛ فلما صار في الاعتقال بعد القبض عليه كان حاله على ما كان مما ذكر. ومن عجيب ما وقع أن خطير الملك محمد بن الوزير اليازوري كان ينوب عن أبيه في قضاء القضاة، فلما سار إلى الشام بالعساكر الكثيرة معه كان في حال من البذخ والتجمل في حال لا يمكن شرحها؛ فلما نكب أبوه آل حاله إلى أن يرى في مسجد بمدينة فوة يخيط للناس بالأجرة، وقد نزل به من الفقر والبلاء شدائد وهو يبالغ في مطالبة شخص بأجرة ما خاطه له، والرجل يماطله. فلما ألح في المطالبة قال له: يا سيدنا اجعل هذا القدر اليسير من جملة ما ذهب منك في السفرة الشامية. فقال: دع ذكر ما مضى. فسأله رجل عن ذلك فلم يجبه، فسأل عبده، فقال الذي ذهب منه في تلك السفرة على نفقات سماطه مقدار ستة عشر ألف دينار. فسبحان من لا يزول ملكه.
وفيها ولي الوزارة بع اليازوري أبو الفرج عبد الله بن محمد البابلي، وكان أولا من جملة أصحاب الدواوين فقبض عليه الوزير أبو البركات ابن الجرجرائي، وصادره على عشرة آلاف دينار أخذ خطه بها؛ فباع موجوده بستة آلاف دينار وبقي عليه أربعة آلاف دينار، فانطرح على اليازوري وسأله الشفاعة له، وكان يومئذ ينظر لأم الخليفة؛ فسأل الخليفة له في ذلك، فوقع بمسامحته منها بألفي دينار، فلما صرف الوزير أبو البركات وتولى اليازوري الوزارة وقع بمسامحة البابلي بالألفين الباقية، واستخدمه في التوقيع، ورد إليه ديوان تنيس ودمياط، وديوان الخاص وغيره من الدواوين، حتى كان في يده ستة

الصفحة 247