كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

دواوين. وكان رسم لأصحاب الدواوين أن يحضروا كل يوم بين يدي الوزير، فرفع منزلة البابلي عن ذلك وميزه عن أصحاب الدواوين، فكان لا يحضر عنده إلا في كل ثلاثة من الجمعة؛ فإذا حضر حجب كل أحد من الرؤساء، فلا يدخل إلى الوزير أحد ما دام عنده. فمهما قرره مع الوزير لا ينتقض. وإذا عرض له في باقي الجمعة أمر كتب رقعةً إلى الوزير فيجيبه في تضاعيف سطوره، فعل الأكفاء بالأكفاء. وبلغ جاريه على ما بيده من الدواوين والتوقيع في كل سنة عشرة آلاف دينار. وكتب مرة إلى الوزير اليازوري رقعة يذكر فيها أنه ليس له دار يسكنها، وأن بجوار داره حماماً سلطانيا من جملة المقبوض عن تركة أمير الأمراء رفق، بذل فيها خمسمائة دينار؛ وسأل التوقيع بمبايعته منه على أن يقتطع ثمنه من جاريه، مائة دينار في الشهر؛ فوقع له بذلك، ثم تقدم إلى متولي بيت المال بأن يكتب له منه رصدا بخمسمائة دينار، ووهبها له. فكتب رقعة ثانية أنه لما شرع في بناء الدار احتاج إلى ما يكمل به عمارتها، وأن في المقبوض من أمير الأمراء أيضاً من الأخشاب والرخام ما يسأل الإنعام عليه منه بما يعمرها به؛ فوقع بتسليم جميع ذلك إليه. فعمر الدار، وخدمه فيها جميع من في الدولة؛ فجاءت تضاهي القصور.
واتفق أنه مرض في بعض السنين مرضةً أشفى فيها على التلف، فكتب إلى الوزير اليازوري رقعةً يذكر فيها ما انتهت حاله إليه، وأنه على آخر رمق؛ وأن عليه من الدين ثلاثة آلاف دينار، ويخاف إن حدث به حادث الموت أن يعنت الغرماء ولديه؛ ويسأل تمام الاصطناع بالمنع منهما، وأن يقرر حالهما في القيام للعرفاء بما تصل قدرتهما إليه وينجم الباقي عليهما. فلما وقف الوزير عليها استرجع وتغمم له، وقال: ما ظننا إلا أنا قد أغنينا أبا الفرج، وأن حاله لم تصل إلى هذا الحد! ثم رفع رأسه إلى أبي العلاء عبد الغني بن الضيف، وكان يحمل دواة الوزير، ولقبه بالصادق المأمون، وقال:

الصفحة 248