كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

يكون في اختيار الإنسان إلى من تطمح إليه الأبصار أو تتطلع إليه النفوس أوفى من شخص البابلي، مع شيبته وظاهر سمته وهيبته؟ فقلت: لا يا أمير المؤمنين. فقال: والله لقد ظننت أن الدولة تتضاعف قدرتها بنظره، وينضاف إليها مثلها بحسن تدبيره وأن من وراء هذا الشخص ما وفى عليه؛ فإذا ثيابه لا تسع رقاعته وغمته، والحية قد نشفت قرعته. وذلك أن اليازوري أقام في خدمتنا عشر سنين عددنا عليه ثمانية عشر ذنبا، وأقام البابلي اثنين وسبعين يوماً نقمنا عليه تسعة عشر ذنباً، مع ظاهر كذبه وقلة احتشامه عندي؛ وذلك أنه ذكر لي من حال السقية ما كثر تعجبي منه وأنا بين تصديق الحكاية وتكذيبها، واحتشمت أن أرد عليه فيتحقق تكذيبي له. وكان من إقدامه على قتل اليازوري ما كان، وساء لنا ذلك إذ لم نكن نريد قتله. فلما كان بعد ذلك بأيام يسيرة أمرته بشيء فعارضني وضرب الأمثال بما يصدني عن ذلك الأمر؛ فقلت له أيها الوزير، اعلم أن اليازوري لم تطل مدته معنا وتثبت قدمه إلا أنا كنا إذا أمرناه بشيء انتهى إليه ولم يتجاوزه. فقال لي مجيبا: يا مولانا وكأن اليازوري كان ينقط نقطة إلا ما أمثله له وأوقفه عليه! يريد أنه كان يدبر اليازوري ويعلمه ويفهمه؛ فلم يتأمل ما عليه فيه، ولا ذكر ما كان قاله من حال السقية؛ وأذكرني قوله هذا حال السقية، فقلت له وقد اغتظت منه: يخرس الله الوزير، فإذاً كانت السقية برأيه! فلما سمع ذلك مني دهش وقال: أعوذ بالله يا مولانا ولكنني كنت أبصره صواب الرأي، وأشير عيه بما فيه حميد العاقبة. فعند ذلك تحققت من كذبه على الرجل ما كنت شاكاً فيه. ووجه كذبه فيما حكاه من ذلك أن الرئيس الجليل القدر إذا أراد أن يهم بمثل هذا الأمر في سائسه أو من يجري مجراه لم يكد يعلم ولده بما يريده منه، فكيف إذا عزم على فعل ذلك مع مثلى، هل يسوغ أن يطلع أحداً عليه؟ ومع هذا فما الذي يدعوه أن يخرج بذلك إلى غيره، وربما نم عليه وتقرب إلي بإطلاعي عليه؛ وإلا تولى بنفسه مع إكثاري كان من زيارته وسكوني إليه، وأني لم أتهمه بذلك فط فآخذ حذري منه، وكان بهذا الحكم يتمكن من بلوغ غرضه مني بحيث

الصفحة 250