كتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء (اسم الجزء: 2)

ونادى رئيس الرؤساء: يا علم الدين قريش، أمير المؤمنين يستدنيك. فدنا منه؛ فقال رئيس الرؤساء له: قد آتاك الله منزلة لم ينلها أمثالك؛ وطلب منه الأمان للخليفة القائم، فأمنه. ونزل إليه الخليفة والوزير رئيس الرؤساء، وصاروا معه. فبعث إليه البساسيري: تخالف ما استقر بيننا! فقال قريش: لا. وكانا قد تعاهدا على المشاركة في جميع ما يحصل لهما؛ فاستقر الأمر على أن البساسيري يتسلم الوزير رئيس الرؤساء وأن قريش ابن بدران يتسلم الخليفة القائم فيكون عنده. فبعث حينئذ قريش بالوزير إلى البساسيري؛ فلما مثل بين يديه قال له: العفو عند المقدرة. فقال البساسيري: أنت صاحب الطيلسان ما عفوت عن داري وحرمى وأطفالي، فكيف أعفو وأنا صاحب سيف.
ثم إن قريش بن بدران سار في خدمة الخليفة، وهو راكب بالصفة التي تقدم ذكرها إلى معسكره، فأنزله في خيمة وهيأ له ما يقوم به، ووقع النهب في دار الخلافة مدة أيام، وأخذ منها ما لا يحصى كثرة، وبعث منها إلى مصر منديل القائم الذي عممه بيده، قد جعل في قالب رخام لكيلا ينحل، مع ردائه، والشباك الذي كان يتوكأ عليه؛ فعمل في دار الوزارة بالقاهرة. وأما العمامة والرداء فبعثهما السلطان صلاح الدين يوسف، لما استولى على القصر، إلى الخليفة المستضيء ببغداد مع الكتاب الذي كتبه على نفسه القائم وأشهد على نفسه العدول فيه أنه لا حق لبني العباس في الخلافة مع وجود فاطمة الزهراء. وحمل أيضاً إلى القاهرة الذخائر والكتب والقضيب والبردة. وسلم قريش الخليفة إلى ابن عمه مهارس بن المجلى، وكان رجلاً متديناً، فحمله في هودج إلى مدينة عانة وأنزله بها؛ وفر أصحاب الخليفة القائم إلى طغرلبك فصاروا في جملته

الصفحة 253