كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 2)

الإِخْلاصِ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: إِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ تَقُولَ قُرَيْشٌ: إِنِّي قُلْتُهَا جَزَعًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَرَدَدْتُهَا فِي صِحَّتِي. وَدَعَا بَنِي هَاشِمٍ فَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونصرته والمنع عن ضيمه فنزلت فيه: «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ» (26/ الأنعام) وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حَتَّى نَزَلَتْ: «مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ» الآيتان.
6- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ: «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ» [1] .
__________
[1] وهذا أيضا باطل من وجوه: الأول ان الثابت بعدة طرق عن ابن عباس خلاف هذا وان الآية الكريمة نزلت في المشركين الذين كانوا ينهون الناس عن محمد ان يؤمنوا به، وينأون- أي ويتباعدون- عنه، كما في تفسير الطبري: 7/ 109، والدر المنثور: ج 3 ص 2 و 8- 9، وكما في تفسير الالوسي: 7/ 126، وتفسير القرطبي: 6 ص 382، وتفسير ابن كثير: 2 ص 122، وتفسير الشوكاني: ج 3 ص 91- 92، كذا روى عنهم جميعا في الغدير الثاني ان هذا خلاف الظاهر من سياق الآية الكريمة، إذ المستفاد منه انهم كانوا قد جمعوا بين التباعد عن النبي وعدم الإيمان به، وبين نهي الناس عن متابعته والإيمان بما جاء به، وأين هذا من أعمال أبي طالب وأقواله، أليس هو أول من نبذ القرابات وما كان بينه وبين المشركين من الصلة والجوار والصداقة محاماتا للنبي ونصرة له، وتحصن مع من تبعه من عشيرته واهل بيته في الشعب سنين؟! وتحملوا الجوع والعطش ومضض الهجران والانقطاع عن التمتع بالحياة، وكانت ضجة أطفالهم قد بلغت عنان السماء من الجوع وقد مات بعضهم من ذلك!! أهذا نأي وبعد عن النبي؟! فإن كان هذا بعدا فما القرب والدنو؟ أليس من قول أبي طالب ما رووه:
والله لا أخذل النبي ولا ... يخذله من بني ذو حسب
الثالث من جهات بطلان الحديث ان حبيب بن أبي ثابت الواقع في سلسلة سنده، كان مدلسا بتصريح ابن حبان، وابن خزيمة في صحيحه كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 2 ص 179.
الرابع ان ابن مباركهم صرح بأن الثوري- أحد رجال الحديث- كان يدلس كما في ترجمة سفيان من تهذيب التهذيب: 4/ 115. وفي ميزان الاعتدال: 1/ 396: انه كان يكتب عن الكذابين.
الخامس ان الواقدي عندهم ضعيف جدا، فراجع ترجمته من تهذيب التهذيب.
السادس ان ابن سعد أيضا غير مرضي عند سلفهم والا فما باله لم يرو ولم يأخذ منه ابن حنبل وهو معه في بغداد، وكان يأخذ منه أجزاء الواقدي فيطالعها، ثم يردها عليه!! فما بال أرباب السنن لم يرووا عنه شيئا؟! نعم روى منه ابو داود في مورد واحد من سننه، ولكنه لا ينفع لأنه عند أبيه غير مقبول وهو أعرف الناس به!! فراجع ترجمته من كامل ابن عدي.
ثم ان الحديث ذكره أيضا ابن سعد في سيرة رسول الله من الطبقات: ج 1/ 123، الى قوله:
«وينأون عنه» ولم يذكر قوله هنا: «عن يحيى بن جعدة» في سلسلة السند فراجع ط بيروت منها.

الصفحة 26