كتاب أعلام من أرض النبوة (اسم الجزء: 2)

143 ...
للمسجد الذي يدرس فيه الدور الفعال، فقصده الناس للتحصيل وتلقي العلم عنه، وكان رحمه الله يدرس التفسير والحديث والفقه المالكي وأصوله والعلوم المتصلة بالقرآن الكريم واللغة العربية والقواعد والبلاغة والمنطق وعلم التوحيد، وحلقته تمتلئ وهو يفيض العلم وهم يستمعون له، وقد يسأل أحدهم عن أشياء قد استعصت عليه فيجيبه عليها الشيخ بكل سرور، وإذا رأى منهم الملل نكت لهم ليصرفه عنهم، فأخرج جيلاً من المصلحين، علمهم بعد أمية وجهالة، وبذلك أنقذ مجموعة كبيرة من براثن الجهل والتخلف، ومجمل القول أن الفضل في قيام نهضة إصلاحية بقمار يعود بعد الله إلى الشيخ عمار الأزعر، وإلى جهوده الطيبة وأفكاره الإصلاحية التي استغرقت أحد عشر عاماً قضاها مدرسّاً وواعظاً بالجزائر حتى أفلح في تكوين نهضة إصلاحية معتمدة على القرآن والسنة وعمل السلف الصالح، وبذلك طهر قلوب المنحرفين من البدع والخرافات ورجع الدين في طهارته ونقاوته كما كان عليه في عهد النبوة والصدر الأول.
أقول إن الشيخ عمار زعيم إسلامي كبير، وما لاقاه من معاناة يدل على نجاح عمله، وهكذا هي الحركات الناجحة، تبدأ بالمقاومات والنزاعات إلى أن تستقر على الإصلاح، فدعوته دعوة ناجحة وعمله عمل صالح، وقد كان لحركته تأثيراً على جميع المجالات سواء أكانت العلمية أو السياسية أو الاجتماعية، أو غير ذلك، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وأكرر القول وأقول أنه زعيم ... زعيم بحق.
هجرته إلى البلاد المقدسية:
وفي عام 1352 هـ ودع الشيخ عمار مسقط رأسه لزيارة البقاع المقدسة، وأداء فريضة الحج، وبعد أداء المناسك رجع إلى قمار. بعد ذلك قرر قراره: أن لا بقاء في ذلك الوسط الجاحد ولا بد من الهجرة، وذلك خوفاً على أهله وذريته من الفتن، وكان ذلك في عام 1353 هـ حيث هاجر مع جمع غفير إلى البلاد المقدسية واستقر في مدينة خير البرية ـ المدينة المنورة ـ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وكان خروجه من بلاده بمشهد عظيم اجتمع فيه كثير من الناس، فمنهم الفرح بخروجه، ومنهم الباكي، ولما حان وقت رحيله صعد له بعض أعدائه إلى السيارة وطلبوا منه المسامحة وناشدوه القرابة والرحم، ...

الصفحة 143