كتاب أعلام من أرض النبوة (اسم الجزء: 2)

152 ...
بحق في جميع العلوم والمعارف وهبه الله تعالى الذكاء والنباهة، وهذا مما يستنتجه القارئ لسيرته الطيبة.
الكردي قاضي المدينة:
ولقد كان القضاء في العهد الهاشمي سجالاً بينه وبين العالم الحنفي التقي الشيخ أحمد كماخي، ولم تكن المنافسة بينهما لتحمل أحدهما على أن يحقد على الآخر، أو يوغر صدره عليه، بل كانا صديقين وظلاَّ كذلك إلى أن رحلا إلى بارئهما، وكانت ترتفع أسهم الشيخ الكردي بوثاقة صلته وشرف انتسابه الخاص للملك حسين رحمه الله، كما يقوى مركز الشيخ الكماخي بنسبته لأمير المدينة الشريف علي بن الحسين، وإنه لخيط دقيق ناعم يزحم الموقف بينهما وبين ولاتهما زحماً عجيباً، وإنها لمنافسة شريفة لطيفة على هذا المركز بين الشيخين، يعزل هذا ويولي ذاك في لمح البصر، وناهيك بما يوجده هذا الصراع من عنعنات وعصبيات بين مؤيدين وناقمين لا يعدو تنافس العلماء بلا خصومة ولا أذى. ومن تلك المواقف ذلك الموقف الذي قويت فيه شوكة الشيخ الكماخي بالشريف علي حين عزل الشيخ عمر كردي من قضاء المدينة وولي الشيخ الكماخي. وفي نفس الوقت عزل الشيخ عبد الحفيظ كردي من قضاء المستعجلة وولي مكانه الشيخ محمود عبد الجواد، كما عزل الشيخ صالح كردي الشقيق الأصغر له من رئاسة ديوان الإمارة حيث وضع معاونه الشيخ اسماعيل حفظي رحمه الله، ثلاثة أوامر عزل في يوم واحد عن ثلاثة مراكز دقيقة لأشقة ثلاثة، وهذه هي طوالع الملوك كما يقولون، أمر عجيب جعل أهل المدينة في حيرة من أمرهم، ويأتي هنا صولجان الشعر ومجد الأدب الذي انفرد به الشيخ عمر كردي عن منافسة الكماخي، فالكردي فقيه شاعر، والكماخي فقيه عالم، نعم من هنا تأتي الفرصة للكردي، فيطلب الملك حسين الشيخ الكردي إلى الطائف ويتأهب الشيخ عمر للغزو وقنص الفرصة، فيعد قصيدة من النوع الذي يستهوي ذوق الملك ويداعب خياله العريض في الخلافة الإسلامية، ويلامس أوتار قلبه فيطلع إليه ويخرج عليه بتلك القصيدة التي يقول في مطلعها: ...

الصفحة 152