كتاب أعلام من أرض النبوة (اسم الجزء: 2)

20
هؤلاء، وإضافة إلى دروسه بالمسجد النبوي فقد كان رحمه الله يلقي دروساً في ديوان منزله بزقاق الكبريت. ويبدو أن الشيخ من هؤلاء الذين وهبهم الله الذكاء والنباهة فقد تعمق في علم الفلك، فسافر إلى أوروبا وجلب معه مرصداً فلكياً ومناظير وأسطرلابات وزوايا، وأقام مرصداً فلكياً على سطح بيته يزاول فيه رصد الأفلاك ويقدر سيرها ومنازلها، وقد برع وانهمك في هذا العلم حتى أنه كان يسهر الليالي في مراقبة النجوم السيارة. ولكن علماء المدينة لم يناسبهم ما فعله شيخنا فثاروا عليه وأنزلوا ما على سطحه من مناظير واسطرلابات وزوايا، ورموه بالتشبه بالنصارى وقاطعوه وهجروه، وقال فيه تلميذه عبد الجليل برادة أرجوزة شعرية اقتطفت منها ما يأتي:
ما قولكم في شيخنا الأسكوبي يبيت طول الليل في الراقوب
يقول إن البدر في المحاق المشتري في حلبة السباق
وقال:
وزحل الجانح للغروب والشمس عند المحمل الربيب
يا شيخنا دع النجوم سائرة وعد إلى درس علوم الآخرة
سبحانه في ملكه الكبير حل عن التشبيه والنظير
ذات البروج علمها للباري جلت على الآلات والمنظار
ويبدو أن القصيدة طويلة جداً كما وصفها الدفتردار في ترجمته، ومن الواضح أن الأسكوبي إلى جانب علمه في الدين والفلك فقد كان شاعراً أيضاً وشعره يدل على شاعرية جمع بين الأصالة والحقيقة، فقد رد على تلميذه عبد الجليل بقوله:
نسيت أن الله قد دعانا في قوله ألم يروا مولانا
ولا ينافي الدين بحث ونظر في ملكوت الله جل من فطر
بل حثنا للفكر في الوجود وما برا من عالم الشهود
ففي النجوم آيته الكمال لقدرة الإله ذي الجلال
يمسكها مشرقة وغاربة يعلمها خابية وثاقبة

الصفحة 20