كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 2)

{فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ أولو بَقِيَّة ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض إِلَّا قَلِيلا مِمَّن أنجينا مِنْهُم وَاتبع الَّذين ظلمُوا مَا أترفوا فِيهِ وَكَانُوا مجرمين (116) وَمَا كَانَ رَبك ليهلك الْقرى بظُلْم وَأَهْلهَا مصلحون (117) وَلَو شَاءَ رَبك لجعل النَّاس أمة وَاحِدَة وَلَا يزالون مُخْتَلفين (118) }
قَوْله تَعَالَى: {واصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ} ظَاهر الْمَعْنى، حث على الصَّبْر على هَذِه الصَّلَوَات، فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ.
قَوْله: {فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ} الْآيَة، قَوْله: " فلولا " مَعْنَاهُ: فَهَلا، وَقيل: فَلم لَا، وَالْآيَة للتوبيخ والتعجيب. وَقَوله: {أولُوا بَقِيَّة} قيل: أولُوا طَاعَة. وَقيل: أولُوا تَمْيِيز. وَقيل: أولو بَقِيَّة من خير. وَيُقَال: فلَان على بَقِيَّة من الْخَيْر إِذا كَانَ على طَاعَة، أَو مسكة من عقل، أَو على خصْلَة محمودة. وَقَوله: {ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض} يَعْنِي: يقومُونَ بِالنَّهْي عَن الْفساد. وَقَوله: {إِلَّا قَلِيلا} هَذَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، وَمَعْنَاهُ: لَكِن قَلِيلا مِمَّن أنجينا من الْقُرُون (نهوا) عَن الْفساد.
وَقَوله: {مِمَّن أنجينا مِنْهُم وَاتبع الَّذين ظلمُوا مَا أترفوا فِيهِ} المترف: هُوَ المتنعم. وَقيل: هُوَ المعود بِالسَّعَةِ واللذة. وَقيل: المترف: هُوَ الَّذِي أبطره الْغنى وَالنعْمَة.
فَمَعْنَى الْآيَة: وَاتبع الَّذين ظلمُوا مَا عودوا من ركُوب الشَّهَوَات وَاللَّذَّات.
{وَكَانُوا مجرمين} ظَاهر.
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبك ليهلك الْقرى بظُلْم وَأَهْلهَا مصلحون} فِي الْآيَة قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَنه لَا يُهْلِكهُمْ بِمُجَرَّد الشّرك إِذا تعاطوا الْإِنْصَاف فِيمَا بَينهم، وَلم يظلم بَعضهم بَعْضًا.
وَالثَّانِي: هُوَ أَن الله لَا يظلم أهل قَرْيَة فيهلكهم بِلَا جِنَايَة. وَالْأول أشهر.
قَوْله تَعَالَى: {وَلَو شَاءَ رَبك لجعل النَّاس أمة وَاحِدَة} أَي: وَلَو شَاءَ رَبك لجعل

الصفحة 467