كتاب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (اسم الجزء: 2)

بالشهادة عن الحكم نحو قوله: {وشهد شاهد من أهلها} [يوسف: 26] في أحد القولين. وقد يعبر بها عن الإقرار بالشهادة كقوله تعالى: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم} [النور: 6]. وقوله: {شاهدين على أنفسهم} [التوبة: 17] {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} [الأعراف: 37] أي أقروا. وقد يعبر بها عن البيان. ومنه عند بعضهم: مبينين لدينه، لأن الشاهد يبين ما يشهد به وعليه. وقيل: يتبين بشهادته ما يوجب حكم الحاكم.
وقوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] يحتمل أن يراد بذلك الإعلام، أي أعلم الله. وأن يراد البيان أي يبين. وأن يراد الحكم أي حكم بذلك. وقال بعضهم: أن «شهد» هنا قد استعمل في معانٍ مختلفةٍ؛ فإما أن يكون ذلك من باب الاشتراك أو الحقيقة أو المجاز، وكلاهما مقول به. والاستدلال على ذلك في غير هذا. فشهادة الله تعالى بذلك إعلامه وبيانه وحكمه، وشهادة الملائكة ومن معهم إقرارهم بذلك كما بينا. وقد بين ذلك بعضهم في عبارةٍ حلوةٍ فقال: فشهادة الله بوحدانيته هي إيجاد ما يدل على وحدانيته في العالم وفي نفوسنا، وأنشد: [من المتقارب]
831 - أيا عجبًا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد؟
وفي كل شيءٍ له آية ... تدل على أنه واحد
وقال بعض الحكماء إن الله تعالى لما شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق خلقه بالشهادة له. قلت: فإن قيل: فقد أنكر أكثر العالم قلت: كلهم ناطقون بذلك إما بلسان القال وإما بلسان الحال، وإن وجد كفرهم وشركهم عنادًا، وأما شهادة الملائكة بذلك فهي إظهارهم أفعالًا يؤمرون بها، وهي المدلول عليها بقوله: {فالمدبرات أمرًا} [النازعات: 5]، وأما شهادة أولي العلم فهي اطلاعهم على تلك الحكم وإقرارهم بذلك. وإنما خص أولي العلم لأنهم هم المعتبرون، وشهادتهم هي المعتبرة. وأما الجهال فمبعدون عنها. وعلى ذلك نبه بقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عبادته العلماء} [فاطر: 28] وهؤلاء هم المعنيون بقوله: {والصديقين والشهداء والصالحين} [النساء: 69].

الصفحة 298