كتاب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (اسم الجزء: 2)

قوله تعالى: {وجاءت كل نفسٍ معها سائق وشهيد} [ق: 21] أي من يشهد له وعليه، وهم الحفظة الذين كانوا يكتبون أقواله وأفعاله ويحصونها عليه، وأما السائق فغيرهما. وقيل: أحدهما يسوقه. وليس المراد بالسائق والشهيد الواحد بل الجنس. قوله {أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق: 37] أي يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على حد من قيل فيهم {أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ} [فصلت: 44] وقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282] أي شاهدين. يقال: شاهد وشهيد. إلا أن صيغة فعيل أبلغ، والشهيد الشرعي بالنسبة إلى عدم غسله والصلاة عليه هو من قتل في حرب الكفار بسبب القتال. والشهيد في الأجر كالمبطون والغريق كما جاء في الحديث.
إنما سموا كلهم شهداء لأن أرواحهم شهدت دار السلام، أي أحضرتها. وأما أرواح غيرهم فلا تحضرها إلى يوم البعث. قال الهروي: وعلى ذلك يؤول قوله تعالى: {بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169]. وقال أبو بكرٍ: لأن الله وملائكته شهود لهم بالخير. وقيل: سموا شهداء لأنهم ممن يستشهد يوم القيامة مع الأنبياء على الأمم. وقيل: سموا بذلك لحضور الملائكة إياهم، إشارة إلى ما قال تعالى {تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا} [فصلت: 30]. وقيل: لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد الله لهم من النعيم.
قلت: وقد حكى لي شيخ صالح من دمياط أيام رحلتي إليها- وقد زرت قبور الشهداء هناك في مكانٍ يقال له شطا- فقال- وقد أراني قبرًا حسنًا عليه بناء عظيم: هذا قبر شطا. قلت: وما شطا؟ قال: ابن ملكٍ من ملوك الفرنج، جاء مع أبيه وجيشه ليأخذوا ثغرنا. فلما التحم القتال قتل ناس من المسلمين، فدخل شطا في المعركة فوجد رجلًا من المسلمين يتشحط في دمه فوقف عليه فكشف له لإرادة الله إياه بالخير. فرأى حوريةً من الجنة تبتدره بكوزٍ من الماء. قال لها شطا: اسقني. فقالت: لست لك. فقالت

الصفحة 299