كتاب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (اسم الجزء: 2)

والمشيئة عند أكثر المتكلمين كالإرادة سواء وعند آخرين هي غيرها فقال: إن المشيئة في أصلها: إيجاد الشيء وإصابته، وإن كان قد وقع العرف بأنهما سيان. فالمشيئة من الله تعالى إيجاده، ومن الناس الإصابة. وقال تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} [الإنسان: 30] تنبيه أن مشيئتهم مرتبة على مشيئة الله، فلا فعل يستقل به العبد. وإذا كان الإرادة التي هي من مقدمات الفعل مرتبة على إرادة الله فالفعل بطريق الأولى فالمشيئة من الله متقضية وجود الشيء. ومن ثم قيل: ما شاء بطريق الأولى فالمشيئة من الله مقتضية وجود الشيء. ومن ثم قيل: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وكذلك الإرادة عندنا. ومن فرق بينهما كالراغب الإصبهاني، قال في المشيئة ما قدمته. وقال في الإرادة: والإرادة منه لا تقتضي وجود المراد لا محالة، ألا ترى أنه قال: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185] وقال: {وما الله يريد ظلمًا للعباد} [غافر: 31]. وقال: ومعلوم أنه قد تحصل من غير أن تتقدمها إرادة الله تعالى، فإن الإنسان قد يريد ألا يموت، ويأبى الله ذلك، ومشيئته لا تكون إلا بعد مشيئته لقوله: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}. وروي أنه لما نزل قوله تعالى: {لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير: 28] قال الكفار: الأمر إلينا؛ إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم. فأنزل الله تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}، انتهى كلامه وفيه نظر، إذ يؤدي إلى أن يريد الإنسان بدون إرادة الله تعالى. وإلى أن يقع في الوجود ما لا يريد. وهذا يقرب مما لا يليق ولا يجوز. وأما قوله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} فالمعنى فيما فرضه وقرره علينا من أمر الإفطار لمن لا يقدر على الصوم يدل على ذلك سياق الكلام واتساقه. وأما قوله تعالى: {وما الله يريد ظلمًا للعباد}. أي منه؛ يعني يريد أن لا يظلمهم. وهذا واقع، فإنه تعالى لا يظلم أحدًا ولا يريد ظلمه. وقال بعضهم: لولا أن الأمور كلها موقوفة على مشيئة الله تعالى، وأن أفعالنا معلقة بها وموقوفة عليها لما

الصفحة 306