كتاب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (اسم الجزء: 2)

أجمع على تعليق الاستثناء به في جميع أفعالنا، نحو قوله: {ستجدني إن شاء الله صابرًا} [الكهف: 69]، وغير ذلك من الآي.
ش ي ب:
قوله تعالى: {واشتعل الرأس شيبًا} [مريم: 4] الشيب: ابيضاض الشعر من الكبر غالبًا. وقد يرد من مصائب الدنيا ما يعجل بياضه مع حداثة السن. وقد جاء في بعض التفاسير أن رجلاً بات شابًا فأصبح شائبًا. فقيل له، فقال: رأيت وكأن القيامة قد قامت ورأيت من أهوالها، فمن ثم شبت. ويؤيد هذا قوله تعالى: {يومًا يجعل الولدان شيبًا} [المزمل: 67] وما أفصح هذا الكلام وأعذبه وأعجزه! حيث أتى بهذه اللفظة المقتضية للحنو على هذا الجنس، وأنه قد أصابه ما صيره شائبًا.
ويحكى أن عيسى عليه وعلى نبينا وعلى سائر النبيين الصلاة والسلام والحواريين خرجوا ذات يوم سايحين، فتذاكروا السفينة فقالوا: يا روح الله، لو بعثت لنا من شاهدها فيخبرنا بها. فأتى بلا من التراب فضربه بعصًا كانت معه وقال: قم بإذن الله، فإذا رجل أشمط فقال: من أنت؟ قال: سام بن نوحٍ، فاستحكوه أمر السفينة فحكى، فقال له: أمت كذا؟ فقال: مت شابًا، ولكنه لما بعثتني حسبت أن القيامة قد قامت، فمن ثم شبت. وأنشد بعض ملوك المغرب: [من الطويل]
840 - ومنكرةٍ شيبي لعرفان مولدي ... ترجع والأجفان ذات غروب
فقلت: يسوق الشيب من قبل وقته ... زوال نعيم أو فراق حبيب
وأنشدوا للعرب: [من الوافر]
841 - رمي الحدثان نسوة آل سعدٍ ... بمقدارٍ سمدن له سمودا
فرد شعورهن السهود بيضًا ... ورد وجوههن البيض سودا
وأنشدني بعضهم لغيره: [من الطويل]
842 - وقائلة: شبنا. فقلت: نعم شبنا ... ولكن في الدنيا الدنية أنشبنا
فيا ليتنا لما تقضى زماننا ... خلصنا فأخلصنا ولكننا شبنا

الصفحة 307