كتاب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (اسم الجزء: 2)

فالصدق والكذب يتقابلان، وهل بينهما واسطة أم لا؟ الجمهور أنه لا واسطة، وأثبتها الجاحظ. ودليل ذلك في غير هذا الموضوع، وأصلهما في القول ماضيًا كان أو مستقبلاً، وعدًا كان أو غيره. ولا يكونان بالقصد الأول إلا بالخير دون غيره من أصناف الكلام، ولذلك قال تعالى: {ومن أصدق من الله حديثًا} [النساء: 87]. وقوله: {إنه كان صادق الوعد} [مريم: 54]. وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام كالاستفهام والأمر والدعاء، وذلك نحو قول القائل: أزيد في الدار؟ فإن في ضمنه إخبارًا بكونه جاهلاً حال زيد. وكذا إذا قال: واسني؛ فإن في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة. وإذا قال: لا تؤذني، ففي ضمنه أنه يؤذيه، قاله الراغب، وفيه نظر من حيث إن التصديق والتكذيب لم يردا على معنى الاستفهام وما بعده إنما وردا على ما هو لازم له، ولا كلام في ذلك فلم يصح أن يقال إنهما وردا على غير الخبر.
واختلف الناس في الصدق؛ فقيل: هو مطابقة الخبر للمخبر عنه في نفس الأمر، وفي اعتقاد المخبر، وإليه نحا الراغب فقال: والصدق مطابقة القول المضم والمخبر عنه معًا. ومتى انخرط شرط من ذلك لم يكن صدقًا بل إما لا يوصف بالصدق، وإما أن يوصف تارةً بالصدق، وتارةً بالكذب على نظرين مختلفين كقول الكافر دون اعتقادٍ: محمد رسول الله، فإن هذا يصح أن يقال: صدق لكون المخبر عنه كذلك، وأن يقال: كذب لمخالفة قوله ضميره: وللوجه الثاني إكذاب الله المنافقين حيث قالوا: {نشهد إنك لرسول الله} [المنافقون: 1] فقال: {والله يشهد أن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1] أنتهى. وقد أجيب عنه بأن المعنى في تسميتها شهادة قوله: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} [الفتح: 27] أي. حقق رؤيته. فهذا أصدق بالفعل وهو التحقيق. قوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصد له} [الزمر: 33] أي حقق ما أورده قولاً بما تحراه؛ فعلاً، ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهرًا وباطنًا بالصدق، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به كقوله تعالى: {في مقعد صدقٍ} [القمر: 55]. وقوله تعالى: {أن لهم قدم صدقٍ} [يونس: 2]. وقوله تعالى: {رب أدخلني مدخل صدقٍ

الصفحة 326