كتاب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (اسم الجزء: 2)

الأخرى}. وقرئ: {فتذكر} بالتشديد فذلك من النسيان الموضوع عن الإنسان.
والضلال من وجه آخر ضربان: ضلالٌ في العلوم النظرية، كالضلال في معرفة الوحدانية ومعرفة النبوة المشار إليهما بقوله تعالي: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالًا بعيدًا} [النساء: 136]. أو ضلالٍ في العلوم العملية كمعرفة الأحكام الشرعية التي هي العبادات. قوله: {في العذاب والضلال البعيد} [سبأ: 8] أي في عقوبة الضلال البعيد. قوله: {أئذا ضللنا في الأرض} [السجدة: 10] أي غبنا، وهو كنايةٌ عن الموت واستحالة البدن. وقرئ بالمهملة وقد تقدم تفسيره.
ويقال: أضللت اللبن في الماء. قوله: {ألم يجعل كيدهم في تضليلٍ} [الفيل: 2] في تضييعٍ وبطلانٍ. قوله: {وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77] أي أضلوا غيرهم. والإضلال ضربان: أحدهما أن يكون بسببه الضلال، وذلك علي وجهين، إما أن يضل عنك الشيء كقولك: أضللت الدابة، أي ضلت عني. وإما أن يحكم بضلاله. فالضلال في هذين سببٌ للإضلال. والثاني أن يكون الأمر بالعكس، فيكون الإضلال سببًا للضلال، وهو أن يزين واحدٌ لآخر الباطل فيضل كقوله تعالي: {لهمت طائفةٌ منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم} [النساء: 113] أي يتحررون أفعالًا يقصدون بها ضلالك، فلا يحصل من ذلك التحري إلا ما فيه ضلال أنفسهم.
وإضلال الباري تعالي يقال باعتبارين: أحدهما أن يكون سببه الضلال، وهو أن يضل الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا، ويعدل به عن طريق الجنة إلي طريق النار في الآخرة، وذلك الإضلال هو حقٌ وعدلٌ، فالحكم عن الضال بضلاله، والعدول به إلي النار عدلٌ. والثاني من إضلاله تعالي وضع جبلة الإنسان علي هيئة إذا راعي طريقًا محمودًا كان أو مذمومًا ألفه واستطابه ولزمه وتعذر صرفه وانصرافه عنه، ويصير ذلك كالطبع، ومن ثم قيل: العادة طبعٌ: [من المتقارب].
923 - يراد من القلب نسيانكم ... وتأبي الطباع على الناقل.

الصفحة 384