كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

وعن على بن أبى طالب أنه قال: «إن لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي» وفي رواية أخرى للشعبى أنه قال: «سر الله فلا تطلبوه» .
ومن الاعتراضات التي وجهت إلى هذا الرأى أنه إذا كان الخطاب بهذه الفواتح غير مفهوم للناس لأنه من المتشابه فإنه يترتب على ذلك أنه كالخطاب بالمهمل، أو مثله كمثل التكلم بلغة أعجمية مع أناس عرب لا يفهمونها.
وقد أجيب عن ذلك بأن هذه الألفاظ لم ينتف الإفهام عنها عند كل الناس. فالرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يفهم المراد بها، وكذلك بعض الصحابة المقربين، ولكن الذي ننفيه أن يكون الناس جميعا فاهمين لمعنى هذه الحروف المقطعة في أوائل بعض السور. وهناك مناقشات للعلماء حول هذا الرأى لا مجال لذكرها هنا.
أما الرأى الثاني فيرى أصحابه: أن المعنى المقصود منها معلوم. وأنها ليست من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه. وأصحاب هذا الرأى قد اختلفوا فيما بينهم في تعيين هذا المعنى المقصود على أقوال كثيرة من أهمها:
1- أن هذه الحروف أسماء للسور، بدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم «من قرأ حم السجدة حفظ إلى أن يصبح» . وبدليل اشتهار بعض السور بالتسمية بها، كسورة «ص» وسورة «يس» وسورة «ق» .. إلخ.
ولا يخلو هذا القول من ضعف لأنه لا يلزم من التسمية ببعضها أن تكون جميع الحروف المقطعة أسماء للسور التي بدئت بها، ولأن كثيرا من السور قد افتتحت بلفظ واحد من هذه الفواتح، فلو كانت أسماء للسور لم تتكرر لمعان مختلفة لأن الغرض من التسمية رفع الاشتباه.
2- وقيل: إن هذه الحروف قد جاءت هكذا فاصلة للدلالة على انقضاء سورة وابتداء أخرى.
3- وقيل: إنها حروف مقطعة بعضها من أسماء الله- تعالى- وبعضها من صفاته، فمثلا: الم أصلها أنا الله أعلم.
4- وقيل: إنها اسم الله الأعظم. إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تخلو من مقال، والتي أوصلها السيوطي في كتابه «الإتقان» إلى أكثر من عشرين قولا.
5- ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن هذه الحروف المقطعة، قد وردت في افتتاح بعض سور القرآن على سبيل الإيقاظ والتنبيه الذين تحداهم القرآن.
فكأن الله- تعالى- يقول لأولئك المعارضين في أن القرآن من عند الله: هاكم القرآن ترونه

الصفحة 17