كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

هذه بعض الأقوال في تحديد معنى المحكم والمتشابه «1» . وقد اختار كثير من المحققين هذا القول الأخير، ومعنى الآية الكريمة- بعد هذا التمهيد الموجز:
الله- عز وجل- الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، والذي أنزل الكتب السماوية لهداية الناس، والذي صورهم في الأرحام كيف يشاء، وهو الذي أنزل عليك- يا محمد- هذا الكتاب الكريم المعجز العظيم الشأن، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، وقد اقتضت حكمة الله- تعالى- أن يجعل هذا الكتاب مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ أى واضحات الدلالة، محكمات التراكيب، جليات المعاني، متقنات النظم والتعبير حاويات لكل ما يسعد الناس في معاشهم ومعادهم، بينات لا التباس فيها ولا اشتباه.
وقوله هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أى هذه الآيات المحكمات الواضحات الدلالة المانعات من الوقوع في الالتباس لانكشاف معانيها لكل ذي عقل سليم، هن أصل الكتاب الذي يعول عليه في معرفة الأحكام، ويرجع إليه في التمييز بين الحلال والحرام، ويرد إليه ما تشابه من آياته، وما استشكل من معانيها.
والجار والمجرور مِنْهُ خبر مقدم، وآياتٌ مبتدأ مؤخر، ومُحْكَماتٌ صفة لآيات.
وقوله هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ صفة ثانية للآيات.
قال الجمل: وأخبر بلفظ الواحد وهو أُمُّ عن الجمع وهو هُنَّ لأن الآيات كلها في تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة، وكلام الله واحد. أو أن كل واحدة منهن أم الكتاب كما قال- تعالى-: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً أى كل واحد منهما. أو لأنه مفرد واقع موقع الجمع» «2» .
وقوله وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ أى ومنه آيات أخر متشابهات وذلك كالآيات التي تتحدث عن صفات الله- تعالى- مثل: الاستواء، واليد والغضب، ونحو ذلك من الآيات التي تحدثت عن صفاته- سبحانه- وكالآيات التي تتحدث عن وقت الساعة، وعن الروح وعن حقيقة الجن والملائكة وكالحروف المقطعة في أوائل السور.
قال الشيخ الزرقانى ما ملخصه: ومنشأ التشابه إجمالا هو خفاء مراد الشارع من كلامه.
أما تفصيلا فنذكر أن منه ما يرجع خفاؤه إلى اللفظ من جهة غرابته كلفظ الأب في قوله تعالى:
وَفاكِهَةً وَأَبًّا أو من جهة اشتراكه بين معان عدة كما في قوله- تعالى- فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ
__________
(1) إذا أردت المزيد فراجع الإتقان للسيوطي. وتفسير الآلوسى ج 3 ص 80 وتفسير الفخر الرازي ج 7 ص 178.
(2) حاشية الجمل على الجلالين- بتصرف يسير- ج 1 ص 242.

الصفحة 28