كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

بأن كل إنسان سيجازى على عمله سواء أكان خيرا أو شرا. فيندرج الغال تحت هذا العموم أيضا فكأنه قد ذكر مرتين.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: فإن قلت: هلا قيل ثم يوفى ما كسب ليتصل به؟ قلت: جيء بعام دخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى، وهو أبلغ وأثبت، لأنه إذا علم الغال أن كل كاسب خيرا أو شرا مجزى فموفى جزاءه، علم أنه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب «1» .
ثم أكد- سبحانه- نفى الظلم عن ذاته فقال: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ بأن واظب على ما يرضيه، والتزم طاعته، وترك كل ما نهى عنه من غلول وغيره كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ أى كمن رجع بغضب عظيم عليه من الله بسبب غلوله وخيانته وارتكابه لما نهى الله عنه من أقوال وأفعال؟
فالآية الكريمة تفريع على قوله- تعالى- قبل ذلك ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وتأكيد لبيان أنه لا يستوي المحسن والمسيء والأمين والخائن.
والاستفهام إنكارى بمعنى النفي، أى لا يستوي من اتبع رضوان الله مع من باء بسخط منه.
وقد ساق- سبحانه- هذا الكلام الحكيم بصيغة الاستفهام الإنكارى، للتنبيه على أن عدم المساواة بين المحسن والمسيء أمر بدهى واضح لا تختلف فيه العقول والأفهام، وأن أى إنسان عاقل لو سئل عن ذلك لأجاب بأنه لا يستوي من اتبع رضوان الله مع من رجع بسخط عظيم منه بسبب كفره أو فسقه وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً. لا يَسْتَوُونَ «2» .
وقوله أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ «3» ؟
والفاء في قوله أَفَمَنِ اتَّبَعَ للعطف على محذوف والتقدير، أمن اتقى فاتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله؟
ثم أعقب- سبحانه- ذكر سخطه بذكر عقوبته فقال: وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أى أن هذا الذي رجع بغضب عظيم عليه من الله- تعالى- بسبب كفره أو فسوقه أو خيانته، سيكون مثواه ومصيره إلى النار وبئس ذلك المصير الذي صار إليه وكان له مرجعا ونهاية.
__________
(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 435.
(2) سورة السجدة الآية 18.
(3) سورة ص الآية 28.

الصفحة 323