كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

ويصح أن يكون معنى قوله مِنْ أَنْفُسِهِمْ أنه بشر مثل سائر البشر إلا أن الله- تعالى- وهبه النبوة والرسالة، ليخرج الناس- العربي منهم وغير العربي- من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، وجعل رسالته عامة فقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.
وخص الله- تعالى- منته وفضله بالمؤمنين، لأنهم هم الذين انتفعوا بنعمة الإسلام، الذي لن يقبل الله دينا سواه والذي جاء به محمد- عليه الصلاة والسلام.
والجملة الكريمة جواب قسم محذوف والتقدير: والله لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
ثم بين- سبحانه- مظاهر هذه المنة والفضل ببعثة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ والتلاوة: هي القراءة المتتابعة المرتلة التي يكون بعضها تلو بعض.
والتزكية: هي التطهير والتنقية.
أى لقد أعطى الله- تعالى- المؤمنين من النعم ما أعطى، لأنه قد بعث فيهم رسولا من جنسهم يقرأ عليهم آيات الله التي أنزلها لهدايتهم وسعادتهم، وَيُزَكِّيهِمْ أى يطهرهم من الكفر والذنوب. أو يدعوهم إلى ما يكونون به زاكين طاهرين مما كانوا عليه من دنس الجاهلية والاعتقادات الفاسدة.
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ بأن يبين لهم المقاصد التي من أجلها نزل القرآن الكريم، ويشرح لهم أحكامه، ويفسر لهم ما خفى عليهم من ألفاظه ومعانيه التي قد تخفى على مداركهم.
فتعليم الكتاب غير تلاوته: لأن تلاوته قراءته مرتلا مفهوما أما تعليمه فمعناه بيان أحكامه وما اشتمل عليه من تشريعات وآداب.
ويعلمهم كذلك الْحِكْمَةَ أى الفقه في الدين ومعرفة أسراره وحكمه ومقاصده التي يكمل بها العلم بالكتاب.
وهذه الآية الكريمة قد اشتملت على عدة صفات من الصفات الجليلة التي منحها الله تعالى- لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم.
ثم بين- سبحانه- حال الناس قبل بعثة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
أى: إن حال الناس وخصوصا العرب أنهم كانوا قبل بعثة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إليهم في ضلال بين واضح لا يخفى أمره على أحد من ذوى العقول السليمة والأذواق المستقيمة.

الصفحة 326