كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

الذين يعلمون تأويله، وروى عن مجاهد أنه قال والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به.
وفي الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا لابن عباس فقال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» .
والذي نراه أنه إذا فسر المتشابه بما استأثر الله- تعالى- بعلمه كقيام الساعة وحقيقة الروح، كان الوقف على لفظ الجلالة وكانت الواو في قوله وَالرَّاسِخُونَ للاستئناف، والراسخون مبتدأ وجملة «يقولون» خبر عنه.
أى والراسخون في العلم يقولون آمنا به ويفوضون علمه إليه- سبحانه- ولا يقتحمون أسواره، كأهل الزيغ والضلال الذين أولوه تأويلا فاسدا.. وإذا فسر المتشابه بما لا يتبين معناه إلا بعد نظر دقيق بحيث يتناول المجمل ونحوه كان الوقف على لفظ العلم، وكانت الواو في قوله وَالرَّاسِخُونَ للعطف.
أى: لا يعلم تأويل المتشابه تأويلا حقا سليما إلا الله والراسخون في العلم أما أولئك الذين في قلوبهم زيغ فهم أبعد ما يكونون عن ذلك.
ويجوز الوقف على هذا الرأى أيضا على لفظ الجلالة لأنه لا يعلم تأويل هذا المتشابه علما كاملا إلا الله. أولا يعلم كنهه وحقيقته أحد سواه.
وإذا فسر المتشابه بما قام الدليل القاطع على أن ظاهره غير مراد. مع عدم قيام الدليل على تعيينه، كمتشابه الصفات أو ما يسمى بآيات الصفات مثل قوله- تعالى- الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. جاز الوقف والعطف عند من يؤولون هذه الصفات تأويلا يليق بذاته- تعالى- وهم جمهور علماء الخلف ووجب الوقف على لفظ الجلالة عند من يفوض معاني هذه المتشابهات إلى الله- تعالى- مع تنزيهه عن ظواهرها المستحيلة وهم جمهور علماء السلف وهذه المسألة من المسائل التي أفاض القول فيها الباحثون في علم الكلام.
هذا وقد ذكر العلماء حكما متعددة لاشتمال القرآن على المحكم والمتشابه، منها: الابتلاء والاختبار، لأن الراسخين في العلم سيؤمنون به وإن لم يعرفوا تأويله، ويخضعون لسلطان الربوبية، ويقرون بالعجز والقصور، وفي ذلك غاية التربية ونهاية المصلحة. وأما الذين في قلوبهم زيغ فيؤولونه تأويلا باطلا طلبا لإضلال الناس وتشكيكهم في دينهم.
ومنها: رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف الذي لا يطيق معرفة كل شيء. فقد أخفى- سبحانه- على الناس معرفة وقت قيام الساعة لكيلا يتكاسلوا ويقعدوا عن الاستعداد لها،

الصفحة 33