كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

وقوله قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ حكاية لردهم القبيح على من نصحهم بالبقاء مع المجاهدين.
أى قال المنافقون- وهم عبد الله بن أبى وأتباعه- لو نعلم أنكم تقاتلون حقا لسرنا معكم، ولكن الذي نعلمه هو أنكم ستذهبون إلى أحد ثم تعودون بدون قتال لأى سبب من الأسباب.
أو المعنى- كما يقول الزمخشري- «لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لَاتَّبَعْناكُمْ يعنون أن ما أنتم فيه لخطأ رأيكم وزللكم عن الصواب ليس بشيء، ولا يقال لمثله قتال، إنما هو إلقاء بالنفس إلى التهلكة، لأن رأى عبد الله بن أبى كان في الإقامة بالمدينة وما كان يستصوب الخروج» «1» .
وقال ابن جرير: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أحد في ألف رجل من أصحابه وحتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة، انخذل عنهم عبد الله بن أبى ابن سلول بثلث الناس وقال.
أطاعهم، أى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج وعصاني. والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس؟ فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق والريب، فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام- أخو بنى سلمة- يقول لهم. يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم- وقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا- فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكننا لا نرى أن يكون قتال.
فلما استعصوا عليه، وأبوا إلا الانصراف عن المؤمنين قال لهم. أبعدكم الله يا أعداء الله فسيغنى الله رسوله عنكم، ثم مضى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «2» .
هذا هو موقف المنافقين في غزوة أحد، وهو موقف يدل على فساد قلوبهم، وخبث نفوسهم، وجبنهم عن لقاء الأعداء.
ولقد كان المؤمنون الصادقون على نقيض ذلك، فلقد خرجوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وثبتوا إلى جانبه فكانوا ممن قال الله فيهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ولقد حكى لنا التاريخ أن بعض المؤمنين الذين كانت لهم أعذارهم التي تسقط عنهم الخروج للجهاد، كانوا يخرجون مع المجاهدين لتكثير عددهم.
فعن أنس بن مالك قال: «رأيت يوم القادسية- عبد الله بن أم مكتوم- وكان رجلا أعمى-
__________
(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 437.
(2) تفسير ابن كثير ج 4 ص 168.

الصفحة 331