كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

فندب أصحابه إلى الخروج في طلب أبى سفيان وقال: لا أريد أن يخرج الآن معى إلا من كان معى في القتال- في أحد-.
فخرج الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع قوم من أصحابه حتى بلغوا حمراء الأسد. وهي مكان على بعد ثمانية أميال من المدينة.
فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فانهزموا.
وروى أنه كان فيهم من يحمل صاحبه على عنقه ساعة، ثم كان المحمول يحمل الحامل ساعة أخرى. وكان كل ذلك لإثخان الجراح فيهم، وكان فيهم من يتوكأ على صاحبه ساعة ويتوكأ عليه صاحبه ساعة.
وقوله اسْتَجابُوا بمعنى أجابوا. وقيل: استجابوا، أصلها طلبوا الإجابة لأن الأصل في الاستفعال طلب الفعل. والقرح: الجراح الشديدة.
والمعنى: أن الله- تعالى- لا يضيع أجر هؤلاء المؤمنين الصادقين، الذين أجابوا داعي الله وأطاعوا رسوله، بأن خرجوا للجهاد في سبيل عقيدتهم بدون وهن أو ضعف أو استكانة مع مآبهم من جراح شديدة، وآلام مبرحة.
ثم بين- سبحانه- جزاءهم فقال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ أى الذين أحسنوا منهم بأن أدوا جميع المأمورات، واتقوا الله في كل أحوالهم بأن صانوا أنفسهم عن جميع المنهيات، لهؤلاء أجر عظيم لا يعلم كنهه إلا الله- تعالى-.
وقوله الَّذِينَ اسْتَجابُوا في موضع رفع على الابتداء وخبره قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ويجوز أن يكون في موضع جر على أنه صفة للمؤمنين في قوله: وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.
قال صاحب الكشاف: و «من» في قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ للتبيين مثلها في قوله- تعالى- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً. لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا لا بعضهم «1» .
ثم مدحهم- سبحانه- على ثباتهم وشجاعتهم وحسن اعتمادهم على خالقهم- عز وجل-، بعد أن مدحهم قبل ذلك على حسن استجابتهم لله ولرسوله فقال- تعالى-:
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
قال الفخر الرازي ما ملخصه: نزلت هذه الآية في غزوة بدر الصغرى، وذلك أن أبا سفيان
__________
(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 441.

الصفحة 340