كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

عليهم بما يبطل قولهم فقال: قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ، فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
أى: قل لهم يا محمد قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي كثير عددهم «بالبينات» أى بالحجج الواضحة، وبالمعجزات الساطعة الدالة على صدقهم وَبِالَّذِي قُلْتُمْ أى وجاءكم هؤلاء الرسل بالقربان الذي تأكله النار فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ بعد أن جاءوكم بتلك المعجزات الباهرة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم أنكم تتبعون الحق، وتطيعون الرسل متى أتوكم بما يشهد بصدقهم؟.
فالجملة الكريمة ترد على هؤلاء اليهود بأبلغ الوجوه التي تثبت كذبهم فيما يدعون، لأن قتلهم للأنبياء بعد أن جاءوهم بالمعجزات الواضحة الدالة على صدقهم، دليل على أن هؤلاء اليهود قد بلغوا منتهى الجحود والظلم والعدوان، وأن دعواهم أن إيمانهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم متوقف على مجيئه بالقربان الذي تأكله النار دعوى كاذبة، لأن من جاءهم بالقربان كان جزاؤه القتل منهم ...
قال الفخر الرازي: وقد بين الله بهذه الدلائل أنهم يطلبون هذه المعجزة لا على سبيل الاسترشاد وإنما على سبيل التعنت. وذلك لأن أسلافهم طلبوا هذه المعجزة من الأنبياء المتقدمين مثل: زكريا ويحيى وعيسى، فلما أظهروا لهم هذا المعجزة سعوا في قتلهم بعد أن قابلوهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة. وذلك يدل على أن مطالبهم كانت على سبيل التعنت إذ لو لم يكن الأمر كذلك لما سعوا في قتلهم، ومتأخرو اليهود راضون بفعل متقدميهم. وهذا يقتضى كونهم متعنتين- أيضا- في مطالبهم. ولهذا لم يجبهم الله فيها» «1» .
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ. جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ.
والبينات: جمع بينة وهي الآيات المبينة للحق، والأدلة التي يستشهد بها الرسول على أنه صادق فيما يبلغه عن ربه.
والزبر جمع زبور- كالرسول والرسل- وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرته بمعنى حسنته.
وخص الزبور بالكتاب الذي أنزله الله على داود- عليه السّلام-: قال- تعالى- وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً.
وقيل: الزبر اسم للمواعظ والزواجر من زبرته إذا زجرته.
__________
(1) تفسير الفخر الرازي ج 9 ص 122.

الصفحة 359