كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

وتطييب لنفوسهم، واستجلاب لمسارهم، أو لجر منفعة وحطام دنيا، أو لتقية، أو لبخل بالعلم وغيره من أن ينسب إلى غيرهم، وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من كتم علماء عن أهله ألجم بلجام من نار» وعن على رضى الله عنه، قال: «ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى خذ على أهل العلم أن يعلموا» «1» .
وقال ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة: هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وأن ينوهوا بذكره في الناس فيكونوا على أهبة من أمره، فإذا أرسله الله تابعوه، فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف، والحظ الدنيوي السخيف، فبئس الصفقة صفقتهم، وبئست البيعة بيعتهم، وفي هذا تحذير للعلماء من أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم ويسلك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، ولا يكتموا منه شيئا» «2» .
ثم حكى- سبحانه- رذيلة أخرى من رذائل أهل الكتاب المتعددة، وهي أنهم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، ويفرحون بما أتوا، وبين سوء عاقبتهم بسبب تلك الأخلاق القبيحة فقال:
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا، فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
والخطاب في قوله لا تَحْسَبَنَّ موجه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أو لكل من يصلح له الخطاب.
والنهى موجه إلى حسبان أن يكون في هؤلاء الأشرار خير.
أى أن الله تعالى، ينهى نبيه صلّى الله عليه وسلّم، نهيا مؤكدا عن أن يظن خيرا في هؤلاء الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
و «المفازة» مصدر ميمى بمعنى الفوز. وقيل هي اسم مكان أى محل فوز ونجاة.
والمعنى: لا تظن يا محمد أن هؤلاء الأشرار الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا أى يفرحون بما فعلوا من بيعهم الدين بالدنيا واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، والذين يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا أى يحبون أن يمدحهم الناس على ما لم يفعلوه من الوفاء بالعهود، ومن إظهار الحق وعدم كتمانه، فإنهم فعلوا الشرور والآثام. ثم لم يحاولوا أن يستروا ما اقترفوه من آثام، بل
__________
(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 346. بتصرف يسير.
(2) تفسير ابن كثير ج 1 ص 436.

الصفحة 366