كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 2)

أو آتنا ما وعدتنا على تصديق رسلك والإيمان بهم من جزاء حسن قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف دعوا الله بإنجاز ما وعد والله لا يخلف الميعاد؟
قلت: معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد، أو هو من باب الملجأ إلى الله والخضوع له، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، «يستغفرون مع علمهم بأنهم مغفور لهم، يقصدون بذلك التذلل لربهم، والتضرع إليه، والملجأ الذي هو سيما العبودية» «1» .
تلك هي الدعوات الخاشعات التي حكاها- سبحانه- عن أصحاب العقول السليمة، وهم ينضرعون بها إلى خالقهم- عز وجل-فماذا كانت نتيجتها؟
لقد كانت نتيجة دعواتهم، أن أجاب الله لهم سؤالهم وحقق لهم مطلوبهم فقال- تعالى- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ!!.
قال الحسن البصري: «ما زالوا يقولون ربنا حتى استجاب لهم» .
وقال جعفر الصادق: «من حزبه أمر فقال خمس مرات رَبَّنا أنجاه الله مما يخاف، وأعطاه ما أراد، قيل: وكيف ذلك؟ قال: اقرءوا إن شئتم قوله- تعالى- الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً ... إلخ فإن هؤلاء الأخيار قد نادوا ربهم خمس مرات فأجاب الله لهم دعاءهم.
ودلت الفاء في قوله فَاسْتَجابَ على سرعة الإجابة، لأن الفاء للتعقيب، فهم لأنهم دعوا الله بقلب سليم، أجاب الله لهم دعاءهم بدون إبطاء.
واستجاب هنا بمعنى أجاب عند جمهور العلماء، إذ السين والتاء للتأكيد، مثل استوقد واستخلص.
وقال بعضهم: إن استجاب أخص من أجاب، لأن استجاب يقال لمن قبل ما دعى إليه، وأجاب أعم فيقال لمن أجاب بالقبول وبالرد.
والمعنى: أن الله- تعالى- قد بشر هؤلاء الأخيار برضاه عنهم، بأن أخبرهم بأنه قد أجاب لهم دعاءهم، وأنه- سبحانه- لا يضيع عمل عامل منهم، بل سيجازيهم بالجزاء الأوفى، وسيمنحهم من الثواب. فوق ما عملوا لأنه هو الكريم الوهاب، ولن يفرق في عطائه بين ذكر وأنثى، لأن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر وقد خلقهم جميعا من نفس واحدة.
وفي التعبير باللفظ السامي رَبُّهُمْ إشارة إلى أن الذي سيجزيهم هو خالقهم ومربيهم والمنعم عليهم، والرحيم بهم.
__________
(1) تفسير الكشاف ج 1 ص 455.

الصفحة 376