كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

(جَاءَ وَالْأَرْض بالسلاطين تزهو ... وَغدا والديار مِنْهُم طلول)

(أقفر الرّوم وَالشَّام ومصر ... أَفَهَذَا مغسل أم رَسُول)

ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة: فِيهَا فِي صفر سَار الصَّالح إِسْمَاعِيل صَاحب بعلبك وشيركوه صَاحب حمص، وهاجما دمشق وحصرا قلعتها وتسلمها الصَّالح إِسْمَاعِيل، وَقبض على المغيث فتح الدّين عمر بن الصَّالح أَيُّوب، وَكَانَ الصَّالح أَيُّوب بنابلس لقصد ملك مصر وبلغه سعي عَمه إِسْمَاعِيل فِي الْبَاطِن، وَكَانَ للصالح أَيُّوب طَبِيب يَثِق بِهِ يُقَال لَهُ الْحَكِيم سعد الدّين الدِّمَشْقِي فَأرْسل مَعَه الصَّالح أَيُّوب إِلَى بعلبك قفص حمام نابلس ليطالعه بأخبار الصَّالح صَاحب بعلبك، فَاسْتَحْضر صَاحب بعلبك الْحَكِيم وأكرمه، وسرق الْحمام الَّتِي لنابلس، وَجعل موضعهَا حمام بعلبك فَصَارَ الطَّبِيب يكْتب أَن عمك إِسْمَاعِيل فِي قصد دمشق ويبطق فيقعد الطَّائِر ببعلبك فَيَأْخُذ إِسْمَاعِيل البطاقة ويزور على الْحَكِيم أَن عمك إِسْمَاعِيل قد جمع ليعاضدك وَهُوَ وَاصل إِلَيْك ويسرحه على حمام نابلس فيعتمد الصَّالح أَيُّوب على بطاقة الْحَكِيم وَيتْرك مَا يسمع من أَخْبَار غَيره.
وَاتفقَ أَن المظفر صَاحب حماه علم سعي الصَّالح إِسْمَاعِيل صَاحب بعلبك فِي أَخذ دمشق مَعَ خلوها عَن حَافظ، فَجهز نَائِبه سيف الدّين عَليّ بن أبي عَليّ فِي عَسْكَر من حماه وَغَيرهَا وسلاحاً ومالاً ليحفظ دمشق لصَاحِبهَا.
وَأظْهر الْملك المظفر وَابْن أبي عَليّ أَنَّهُمَا قد اخْتَصمَا وَأَن ابْن أبي عَليّ قد غضب وَفَارق صَاحب حماه لِأَنَّهُ يُرِيد تَسْلِيم حماه للفرنج لِئَلَّا يمنعهُ شيركوه فَفطن شيركوه للحيلة، وَلما وصل ابْن أبي عَليّ إِلَى بحيرة حمص استدعى شيركوه ابْن أبي عَليّ وَأَصْحَابه ليضيفهم.
ثمَّ قبض على ابْن أبي عَليّ وَمن حضر الضِّيَافَة من أَصْحَابه وعذبهم واستصفى كل مَا مَعَهم، وَمَات ابْن أبي عَليّ وَغَيره فِي حَبسه بحمص فضعف المظفر بحماه لذَلِك كثيرا.
وَأما الصَّالح أَيُّوب فَلَمَّا بلغه قصد عَمه إِسْمَاعِيل دمشق رَحل من نابلس إِلَى الْغَوْر فَبَلغهُ اسْتِيلَاء عَمه على قلعة دمشق واعتقال وَلَده المغيث عمر ففسدت نيات عسكره عَلَيْهِ وَتَفَرَّقُوا فَلم يبْق عِنْد الصَّالح أَيُّوب بالغور غير ممالكيه وأستاذ دَاره حسام الدّين أبي عَليّ فَقدم الصَّالح أَيُّوب نابلس بِمن بَقِي مَعَه، وَبلغ النَّاصِر دَاوُد ذَلِك.
وَكَانَ قد وصل من مصر إِلَى الكرك فَنزل بعسكره وَأمْسك الصَّالح أَيُّوب واعتقله بهَا، وَأمر بكفايته فَتفرق عَنهُ أَصْحَابه إِلَّا نَفرا يَسِيرا.
ثمَّ أرسل أَخُو الصَّالح الْملك الْعَادِل أَبُو بكر صَاحب مصر يَطْلُبهُ من النَّاصِر دَاوُد فَأتى فتهدده الْعَادِل بِأخذ بِلَاده فَمَا أَفَادَ.
وفيهَا: بعد اعتقال الصَّالح بالكرك قصد النَّاصِر دَاوُد الْقُدس وَقد عمر الفرنج قلعتها بعد موت الْملك الْكَامِل فحاصرها وَفتحهَا وَخرب القلعة وبرج دَاوُد الَّذِي لم يخرب لما خرب الْقُدس أَولا.

الصفحة 164