كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

الْبَريَّة إِلَى غَزَّة وَأرْسل إِلَى الْملك الصَّالح أَيُّوب صَاحب مصر يسْأَله فِي الْمصير إِلَيْهِ فَأبى فَدخل إِلَى عكا وَأقَام مَعَ الفرنج فَأرْسل الصَّالح إِسْمَاعِيل صَاحب دمشق حِينَئِذٍ، وبذل للفرنج مَالا، وتسلم مِنْهُم الْجواد واعتقله ثمَّ خنقه.
وفيهَا: ولى الصَّالح أَيُّوب الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام الْقَضَاء بِمصْر وَالْوَجْه القبلي كرها، كَانَ أَولا بِدِمَشْق وَسلم الصَّالح إِسْمَاعِيل صَاحب دمشق صفد والشقيف إِلَى الفرنج ليعضدوه على ابْن أَخِيه صَاحب مصر، فشنع الشَّيْخ عز الدّين على الصَّالح إِسْمَاعِيل لذَلِك. وَكَذَلِكَ الشَّيْخ جمال الدّين أَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب وخافا من الصَّالح فقصد عز الدّين مصر وَولي الْقَضَاء كرها، وَقصد ابْن الْحَاجِب الكرك ونظم لصَاحِبهَا النَّاصِر دَاوُد مقدمته فِي النَّحْو ثمَّ سَافر من الكرك إِلَى مصر.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة: فِيهَا اتّفقت الخوارزمية مَعَ صَاحب ميافارقين المظفر غَازِي بن الْعَادِل.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة توفّي الْملك الْحَافِظ نور الدّين أرسلان شاه بن الْعَادِل بن أَيُّوب بعزاز فَإِنَّهُ تعوض بهَا عَن قلعة جعبر وَنقل إِلَى حلب فَدفن فِي الفردوس وتسلم نواب النَّاصِر يُوسُف صَاحب حلب عزاز وقلعتها وأعمالها.
وفيهَا: فِي شعْبَان توفّي الْعَلامَة كَمَال الدّين مُوسَى بن يُونُس بن مُحَمَّد بن مَنْعَة بن مَالك الْفَقِيه الشَّافِعِي.
وَكَانَ يشْتَغل فِي مَذْهَب أبي حنيفَة، وَيحل لَهُم الْجَامِع الْكَبِير، وأتقن الْمنطق والطبيعي والإلهي والرياضي والمجسطي وإقليدس والموسيقي والحساب بأنواعه، وَقَرَأَ أهل الذِّمَّة عَلَيْهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، واعترفوا أَنهم لَا يَجدونَ من يشرحها لَهُم مثله.
وَقَرَأَ كتاب سِيبَوَيْهٍ والمفصل وَغَيرهمَا، وأتقن التَّفْسِير والْحَدِيث وَقدم الشَّيْخ أثير الدّين الْأَبْهَرِيّ واسْمه الْمفضل بن عمر بن الْمفضل إِلَى الْموصل واشتغل على الشَّيْخ كَمَال الدّين الْمَذْكُور.
وَكَانَ الْأَبْهَرِيّ حِينَئِذٍ إِمَامًا فِي الْعُلُوم، وَيَأْخُذ الْكتاب وَيجْلس بَين يَدَيْهِ وَيقْرَأ عَلَيْهِ سِنِين عديدة، وتصانيف الْأَبْهَرِيّ إِذْ ذَاك يشْتَغل فِيهَا النَّاس، وَقصد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِابْن الصّلاح الْفَقِيه الشَّافِعِي الشَّيْخ كَمَال الدّين وَسَأَلَهُ أَن يقرئه الْمنطق سرا، فقرأه عَلَيْهِ مُدَّة وَلَا يفهمهُ، فَقَالَ ابْن يُونُس: يَا فَقِيه الْمصلحَة عِنْدِي أَن تتْرك الِاشْتِغَال بِهَذَا الْفَنّ لِأَن النَّاس يَعْتَقِدُونَ فِيك الْخَيْر وهم ينسبون كل من اشْتغل بِهَذَا الْفَنّ إِلَى فَسَاد الإعتقاد، فكأنك تفْسد عقائدهم فِيك، وَلَا يَصح لَك من هَذَا الْفَنّ شَيْء، فَترك قِرَاءَته ولغلبة الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة على كَمَال الدّين إتهم فِي دينه وَهَذِه الْعَادة، وَكَانَت تعتريه غَفلَة لاستيلاء الفكرة عَلَيْهِ فَعمل فِيهِ بَعضهم.

الصفحة 167