كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

وَسَارُوا وحصروا دمشق فقاسى أَهلهَا من الغلاء مَا لم يسمع بِمثلِهِ وحفظها حسام الدّين بن أبي عَليّ أتم حفظ وَخرجت السّنة وَالْأَمر كَذَلِك.
وفيهَا: قصد التتر بَغْدَاد فَخرجت عَسَاكِر بَغْدَاد للقائهم، فَانْهَزَمَ التتر لَيْلًا.
وفيهَا: توفيت ربيعَة خاتون أُخْت السُّلْطَان صَلَاح الدّين بدار العقيقي بِدِمَشْق جَاوَزت الثَّمَانِينَ، وَبنت مدرسة حنبلية بجبل الصالحية.
وفيهَا: توفّي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان " ابْن الصّلاح " الْفَقِيه الْمُحدث.
قلت: وَكَانَ رَحمَه الله مُسَدّد الْفَتَاوَى، وَكرر على الْمُهَذّب كُله وَهُوَ أَمْرَد وَتَوَلَّى الْإِعَادَة لعماد الدّين بن يُونُس بالموصل.
ثمَّ حصل علم الحَدِيث بخراسان ثمَّ تولى تدريس الناصرية بالقدس، ثمَّ تولى الرواحية بِدِمَشْق، وَبنى الْأَشْرَف بن الْعَادِل بن أَيُّوب دَار الحَدِيث بِدِمَشْق وولاه تدريسها، ثمَّ تولى تدريس مدرسة سِتّ الشَّام زمرد خاتون بنت أَيُّوب شَقِيقَة شمس الدولة توران شاه بن أَيُّوب دَاخل الْبَلَد قبلي البيمارستان النوري، وَهِي الَّتِي بنت الْمدرسَة الْأُخْرَى ظَاهر دمشق وَبهَا قبرها وقبر أَخِيهَا الْمَذْكُور وَزوجهَا نَاصِر الدّين بن أَسد الدّين شيركوه صَاحب حمص.
وَله: مَنَاسِك الْحَج وإشكالات على الْوَسِيط، وَجمع بعض أَصْحَابه فَتَاوِيهِ وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة خَارج بَاب النَّصْر بِدِمَشْق.
وَتُوفِّي أَبوهُ صَلَاح الدّين، وَكَانَ من جلة مَشَايِخ الأكراد الْمشَار إِلَيْهِم فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان عشر وسِتمِائَة بحلب وَدفن بالجبيل، وَتَوَلَّى بحلب تدريس الأَسدِية المنسوبة إِلَى أَسد الدّين شيركوه بن شاذي، واشتغل بِبَغْدَاد على شرف الدّين أبي سعد عبد الله بن أبي عصرون، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي علم الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله السخاوي لَهُ الْمفضل فِي شرح الْمفصل وسفر السَّعَادَة وسفير الإفادة فِيهِ مشكلات نحوية وأبيات مَعَاني ولغة وعربية، وَله شرح الشاطبية.
قلت: قَرَأَ الشاطبية على ناظمها، قَالَ القَاضِي شمس الدّين بن خلكان: وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم، قَالَ: ورأيته بِدِمَشْق وَالنَّاس يزدحمون عَلَيْهِ فِي الْجَامِع للْقِرَاءَة وَلَا يَصح لوَاحِد نوبَة إِلَّا بعد زمَان، ورأيته مرَارًا وَهُوَ رَاكب بَهِيمَة يصعد إِلَى جبل الصالحية وَحَوله إثنان وَثَلَاثَة وكل وَاحِد يقْرَأ ميعاده فِي مَوضِع غير الآخر وَالْكل فِي دفْعَة وَاحِدَة وَهُوَ يرد على الْجَمِيع، وَتُوفِّي بِدِمَشْق وَقد نَيف على التسعين وَلما احْتضرَ أنْشد لنَفسِهِ:
(قَالُوا غَدا نأتي ديار الْحمى ... ونترك الركب بمغناهم)

الصفحة 171