كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

(وَربع قحبة عِنْدِي ... أحسن من الأكوان)

وَقَوله:
(كم يتعبني بصبحة الأجساد ... كم يسهرني بلذة الميعاد)

(جد لي بمدامة تقَوِّي رمقي ... وَالْجنَّة جد بهَا على الزهاد)

فَرفع الْعلمَاء أمره إِلَى السُّلْطَان فَلم يقدم على قَتله بل سجنه مرّة بعد أُخْرَى ثمَّ أطلق، وَكَانَ الرجل خراب الظَّاهِر والسرائر عِنْد الله تَعَالَى، وَله مكاشفات وأحوال ومحبون وَهُوَ، إِلَى الْآن بَين قوم منكرين عَلَيْهِ وَقوم مائلين إِلَيْهِ والتوقف هُنَا أسلم، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي عَلَاء الدّين قرا سنقر الساقي مَمْلُوك الْعَادِل بن أَيُّوب وَصَارَت ممالكيه بِالْوَلَاءِ للصالح أَيُّوب، وَمِنْهُم سيف الدّين قلاوون ملك مصر وَالشَّام.
وفيهَا: توفّي أَبُو عَليّ عمر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالشلوبيني بإشبيلية نحوي فَاضل شرح الجزولية، وَفِيه مَعَ فَضله بله وغفلة، ويكنى أَبَا عَليّ وشلوبين حصن منيع بالأندلس من سواحل غرناطة على بَحر الرّوم؛ قَالَه ابْن سعيد فِي الْمغرب فِي أَخْبَار الْمغرب.
وَقَول ابْن خلكان: الشلوبين الْأَبْيَض الْأَشْقَر بلغتهم وهم إِذْ لم يقف على الْمغرب، وَكَانَ الشلوبيني عِنْدهم فِي طبقَة الْفَارِسِي.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة: فِيهَا سلم الْأَشْرَف مُوسَى حمص إِلَى عَسْكَر النَّاصِر صَاحب حلب بعد حِصَار وتعوض بتل بَاشر على مَا بِيَدِهِ من تدمر والرحبة فغاظ ذَلِك نجم الدّين أَيُّوب وَقدم إِلَى دمشق مَرِيضا، وَأرْسل عسكراً إِلَى حمص فحوصرت بالمجانيق، ثمَّ بلغه وُصُول الفرنج إِلَى جِهَة دمياط، وَوصل نجم الدّين الباذراني رَسُول الْخَلِيفَة بِالصُّلْحِ بَين الصَّالح والحلبيين وَأَن تَسْتَقِر حمص للحلبيين، فَأجَاب الصَّالح إِلَى ذَلِك واستناب بِدِمَشْق جمال الدّين بن يغمور وعزل ابْن مطروح ورحل الصَّالح فِي محفة من دمشق.
وفيهَا: فِي يَوْم الْخَمِيس السَّادِس وَالْعِشْرين من شَوَّال توفّي الشَّيْخ جمال الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عمر بن أبي بكر بن يُونُس الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاجِب كَانَ وَالِده كردياً حجب للأمير عز الدّين موسك الصلاحي، وَقَرَأَ ابْنه الْمَذْكُور فِي صغره بِالْقَاهِرَةِ الْقُرْآن ثمَّ الْفِقْه على مَذْهَب مَالك والعربية، وبرع ثمَّ درس بِجَامِع دمشق وأكب الْخلق عَلَيْهِ بالاشتغال، ثمَّ قدم الْقَاهِرَة ثمَّ الْإسْكَنْدَريَّة فَتوفي بهَا، ومولده أَوَاخِر سنة سبعين وَخَمْسمِائة بأسنا من الصَّعِيد.
وَكَانَ متفنناً وَغلب عَلَيْهِ النَّحْو وأصول الْفِقْه ومختصراته الثَّلَاثَة فِي النَّحْو والتصريف وَالْأُصُول، وَقد طبق ذكرهَا الْبِلَاد، وَلَا سِيمَا الْعَجم، ومصنفاته كَثِيرَة.
قلت: قَالَ القَاضِي شمس الدّين بن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى: وَجَاءَنِي - يَعْنِي بِالْقَاهِرَةِ - مرَارًا بِسَبَب أَدَاء شَهَادَات وَسَأَلته عَن مَسْأَلَة اعْتِرَاض الشَّرْط على الشَّرْط فِي قَوْلهم إِن أكلت إِن شربت فَأَنت طَالِق لم تعين تَقْدِيم الشّرْب على الْأكل حَتَّى لَو أكلت ثمَّ شربت لَا تطلق.

الصفحة 174