كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

وَسَأَلته عَن بَيت أبي الطّيب:
(لقد تصبرت حَتَّى لات مصطبر ... فَالْآن أقحم حَتَّى لات مقتحم)

لم جر مصطبر ومقتحم ولات لَيست من أدوات الْجَرّ فَأحْسن الْجَواب عَنْهُمَا وَلَوْلَا التَّطْوِيل لذكرت مَا قَالَه انْتهى كَلَامه.
أما الْمَسْأَلَة الأولى فَإِنَّمَا تعين فِيهَا تَقْدِيم الثَّانِي على الأول لِأَن الشَّرْط قد دخل على الشَّرْط فَتعلق الأول بِالثَّانِي والتعيلق يقبل التَّعْلِيق كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم} إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم تَقْدِيره إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم فَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم، وَأفْتى الْقفال بِاشْتِرَاط تَقْدِيم الْمَذْكُور أَولا، فَإِن قدمت الثَّانِي لم تطلق، وَمَال الإِمَام إِلَى أَنه لَا يشْتَرط التَّرْتِيب، وَيتَعَلَّق الطَّلَاق بحصولهما كَيفَ كَانَ، وَلَا شكّ أَن بَين الْآيَة وَبَين الصُّورَة الْفِقْهِيَّة فرقا وَفِيه بحث وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه.
وَلَو قَالَ: أردْت الْعَطف وحذفت حرفه ومرادي إِن أكلت وَإِن شربت فَأَنت طَالِق.
وَقبل ذَلِك مِنْهُ فَلَا يشْتَرط تَقْدِيم الثَّانِي على الأول بل تطلق بهما كَيفَ وَقعا إِلَّا عِنْد من يرى أَن الْوَاو للتَّرْتِيب وَحذف حرف الْعَطف جَائِز نظماً ونثراً، كَقَوْلِه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تصدق رجل من ديناره من درهمه من صَاع بره من صَاع تمره.
وروى أَبُو زيد: أكلت خَبرا لَحْمًا تَمرا.
قَالَ الشَّاعِر:
(كَيفَ أَصبَحت كَيفَ أمسيت مِمَّا ... يغْرس الود فِي فؤاد الْكَرِيم)

وَأما بَيت أبي الطّيب فمصطبر ومقتحم مجروران قيل بِمن الْمقدرَة وَهُوَ بعيد وَقيل جراً بحتى وَتَكون لات لمُجَرّد النَّفْي على حد قَوْلهم: سَافَرت بِلَا زَاد قَالَه بعض نحاة الْعَصْر، وَلَو قيل إِنَّه مجرور على تَقْدِير حَتَّى لات حِين مصطبر ولات حِين مقتحم فَيكون الْمُضَاف وَهُوَ حِين كَأَنَّهُ ثَابت لم أر فِيهِ بعدا، وَقُرِئَ: ولات حِين مناص بالخفض.
وَقَالَ الشَّاعِر:
(طلبُوا صلحنا ولات أران ... فأجبنا أَن لَيْسَ حِين بَقَاء)

وَقَالَ:
(فلتعرفن شمائلا محمودة ... ولتندمن ولات سَاعَة مندم)

وَفِي شرح التسهيل أَن ذَلِك وَجه على وَجْهَيْن، الأول أَن لات بِمَعْنى غير وَصفا لمَحْذُوف كَأَنَّهُ قيل فَنَادوا حينا غير حِين مناص، ورد هَذَا التَّأْوِيل بِلُزُوم زِيَادَة الْوَاو فَلَا فَائِدَة لَهَا حِينَئِذٍ، الثَّانِي أَن الكسرة كسرة بِنَاء مَقْطُوعَة عَن مُضَاف وَمَا بعد لات يقطع عَن الْإِضَافَة فيبنى، وَالتَّقْدِير ولات حِين مناصهم، وَالْإِضَافَة إِلَى المناص كَأَنَّهَا إِضَافَة إِلَى الْحِين لِأَنَّهُ مَعَه كشيء وَاحِد كَأَنَّهُ قَالَ: ولات حِين هم، ثمَّ حذف الضَّمِير من مناص فَكَأَنَّهُ حذف من الْحِين فتضمنه الْحِين وَهَذَا بعيد جدا، انْتهى مُلَخصا.

الصفحة 175