كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

وكتبت إِلَى حسام الدّين أبي عَليّ النَّائِب بِمصْر كَذَلِك فحلفتهم وَغَيرهم بِمصْر والقاهرة على ذَلِك فِي شعْبَان مِنْهَا، وَكَانَ الْخَادِم السُّهيْلي يكْتب لَهَا المراسيم وَعَلَيْهَا عَلامَة الصَّالح فَلَا يشك أحد إِنَّهَا علامته.
ثمَّ استدعى فَخر الدّين بن الشَّيْخ الْمُعظم من حصن كيفا فشاع موت الصَّالح وَلَكِن لَا يَجْسُر أحد على التفوه بِهِ، وَتقدم الفرنج عَن دمياط إِلَى المنصورة فجرت وقْعَة فِي مستهل رَمَضَان اسْتشْهد فِيهَا كبار من الْمُسلمين، وَنزلت الفرنج شَرّ مساح ثمَّ قربوا ثمَّ كبسوا الْمُسلمين على المنصورة بكرَة الثُّلَاثَاء لخمس من ذِي الْقعدَة، وَكَانَ ابْن الشَّيْخ وَهُوَ فَخر الدّين يُوسُف بن صدر الدّين حمويه فِي حمام المنصورة فَركب مسرعاً فصادفه جمَاعَة من الفرنج فَقَتَلُوهُ فَعَاشَ سعيداً وَمَات شَهِيدا ثمَّ حمل الْمُسلمُونَ وَالتّرْك البحرية فهزموا الفرنج.
وَأما الْمُعظم فوصل من حصنه إِلَى دمشق فِي رَمَضَان مِنْهَا وَعِيد بهَا وَوصل إِلَى المنصورة لتسْع بَقينَ من ذِي الْقعدَة، ثمَّ اشْتَدَّ الْقِتَال برا وبحراً بَين الفرنج وَالْمُسْلِمين وَأخذُوا من الفرنج اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مركبا تِسْعَة شواني فضعف الفرنج وبذلوا دمياط ليعطوا الْقُدس وَبَعض السواحل فَمَا أجِيبُوا إِلَى ذَلِك.
وفيهَا: تقَاتل لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل، وعسكر النَّاصِر صَاحب حلب بِظَاهِر نَصِيبين، فانهزمت المواصلة وَنهب الحلبيون أثقال لُؤْلُؤ وخيامه وَأخذُوا نَصِيبين من لُؤْلُؤ، ثمَّ تسلموا دَارا وخربوها بعد حِصَار ثَلَاثَة أشهر، ثمَّ تسلموا قرقيسياً وعادوا.
قلت: وفيهَا بحلب توفّي شهَاب الدّين مُحَمَّد المنشي النسوي صَاحب تَارِيخ جلال الدّين بن خوارزم شاه وَكَاتب انشائه اتَّصل بعد قَتله بالمظفر غَازِي صَاحب ميافارقين وخدمه ونادمه ثمَّ تغير غَازِي عَلَيْهِ واستحال كعادة استحالاته فتلطف حَتَّى خرج من اعتقاله، واتصل ببركة خَان كَبِير الخوارزمية فَعرف لَهُ حَقه وموضعه من جلال الدّين وَسلم إِلَيْهِ بِلَاده فَبسط الْعدْل.
وَكَانَ بركَة خَان فِي غَايَة من الْجَوْدَة وَأَصْحَابه غشمة، فَلَمَّا قتل بركَة خَان شكره النَّاس أجمع غير الحلبيين فأمروه وأحسنوا إِلَيْهِ، وَتوجه رَسُولا عَنْهُم مَرَّات إِلَى التتر فعظموه على سَائِر الرُّسُل لمكانه من جلال الدّين وحصلت لَهُ ثروة ضخمة وَتقدم عِنْد النَّاصِر صَاحب حلب وَلم يزل بحلب حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى، وَكَانَ كثير الْمُرُوءَة عذب الْأَلْفَاظ حَلِيمًا، كَمَا قَالَ أَبُو الْعَلَاء:
(فَذَلِك الشَّيْخ عَالما والفتى كرماً ... تلفيه أَزْهَر بالنعتين منعوتاً)

ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فِيهَا فِي الثَّالِث من الْمحرم رَحل الفرنج عَن مقاتلة الْمُسلمين بالمنصورة إِلَى دمياط لفناء أَزْوَادهم وَقطع الْمُسلمين المدد من دمياط عَنْهُم، وَركب الْمُسلمُونَ أكتافهم وَعند الصَّباح خالطوهم وبذلوا السَّيْف فَقتلُوا من الفرنج ثَلَاثِينَ ألفا، وانحاز برنس إفرنسيس وَمن مَعَه من الْمُلُوك إِلَى بلد هُنَاكَ، وطلبوا الْأمان

الصفحة 177