كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

الْبِلَاد الجزرية وَأرْسل ابْنه سموط إِلَى الشَّام فوصل إِلَى ظَاهر حلب فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة مِنْهَا، وَالْحَاكِم فِي حلب الْملك الْمُعظم توران شاه بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين نَائِبا عَن ابْن أَخِيه النَّاصِر يُوسُف، فَخرج الْمُعظم وعسكر حلب إِلَيْهِم وأكمن لَهُم التتر فِي بابلي وتقاتلوا عِنْد يانقوسا فَانْدفع التتر قدامهم حَتَّى خَرجُوا عَن الْبَلَد وعادوا عَلَيْهِم والتتر يقتلُون فيهم حَتَّى دخلُوا الْبَلَد واختنق فِي أَبْوَاب الْبَلَد خلق من المنهزمين ثمَّ رَحل التتر فتسلموا عزاز بالأمان.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة: وَبلغ النَّاصِر يُوسُف صَاحب الشَّام ذَلِك فبرز إِلَى بَرزَة فِي أَوَاخِر السّنة الْمَاضِيَة وجفل النَّاس من التتر وجاءه من حماه الْمَنْصُور صَاحبهَا، وَنزل مَعَه ببرزة وَمَعَ النَّاصِر بيبرس البندقداري من حِين هرب إِلَيْهِ من الكرك وَاجْتمعَ على بَرزَة أُمَم من العساكر والجفال وَلما دخلت هَذِه السّنة وَهُوَ ببرزة وبلغه أَن جمَاعَة من مماليكه عزموا على قَتله هرب النَّاصِر من الدهليز إِلَى قلعة دمشق وهرب أُولَئِكَ المماليك إِلَى جِهَة غَزَّة، وَكَذَلِكَ سَار بيبرس البندقداري إِلَى جِهَة غَزَّة، وأشاع المماليك الناصرية أَنهم لم يقصدوا قَتله، وَإِنَّمَا قصدُوا الْقَبْض عَلَيْهِ وسلطنة أَخِيه الظَّاهِر غَازِي بن الْعَزِيز مُحَمَّد بن الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين لشهامته، فهرب الظَّاهِر خوفًا من أَخِيه النَّاصِر وَهُوَ شقيقه، وأمهما أم ولد تركية.
وَوصل الظَّاهِر غَازِي إِلَى غَزَّة وَاجْتمعَ عَلَيْهِ من بهَا من الْعَسْكَر وَأَقَامُوا سُلْطَانا، وَكَاتب بيبرس البندقداري المظفر قطز صَاحب مصر فَأَمنهُ ووعده الْوَعْد الْجَمِيل، فَقدم بيبرس مصر فِي جمَاعَة فَأقبل عَلَيْهِ قطز وأنزله بدار الوزارة وأقطعه قليوب وأعمالها.
وفيهَا: يَوْم الْأَحَد تَاسِع صفر استولت التتر على حلب وَذَلِكَ أَن هولاكو عبر الْفُرَات ونازلها وَأرْسل إِلَى الْمُعظم توران شاه نائبها يَقُول لَهُ: إِنَّكُم تضعفون عَن لِقَاء المغول وَنحن قصدنا الْملك النَّاصِر والعساكر فاجعلوا لنا عنْدكُمْ بحلب شحنة وبالقلعة شحنة ونتوجه إِلَى الْعَسْكَر فَإِن كسرناه كَانَت الْبِلَاد لنا وتكونون قد حقنتم دِمَاء الْمُسلمين وَإِن كسرونا كُنْتُم مخيرين فِي الشحنتين طرداً وقتلاً، فَقَالَ الْمُعظم: مَا لكم عندنَا إِلَّا السَّيْف، وَكَانَ رَسُول هولاكو إِلَيْهِم صَاحب أرزن الرّوم فتعجب من هَذَا الْجَواب وتألم لما علم من هَلَاك أهل حلب بِسَبَب ذَلِك وأحاط التتر بحلب ثَانِي صفر، وهجم التتر فِي غَد ذَلِك الْيَوْم وَقتل من الْمُسلمين خلق مِنْهُم أَسد الدّين بن الزَّاهِر بن صَلَاح الدّين.
واشتدت مضايقة التتر لحلب وهجموها من عِنْد حمام حمدَان فِي ذيل قلعة الشريف فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع صفر، ويذلوا السَّيْف وَصعد إِلَى القلعة خلق ودام الْقَتْل والنهب من الْأَحَد إِلَى الْجُمُعَة رَابِع عشر صفر فَنَادَى هولاكو بالأمان وَلم يسلم من أهل حلب إِلَّا من التجأ إِلَى دَار شهَاب الدّين بن عمرون وَدَار نجم الدّين أخي مزدلين وَدَار البازيار وَدَار علم الدّين قَيْصر الْموصِلِي والخانقاه الَّتِي فِيهَا زين الدّين الصُّوفِي وكنيسة الْيَهُود وَذَلِكَ لفرمانات

الصفحة 197