كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

بِأَيْدِيهِم سلم بِهن فِي هَذِه الْأَمَاكِن مَا يزِيد على خمسين ألف نفس، وحاصروا القلعة وَبهَا الْملك الْمُعظم وَمن التجأ إِلَيْهَا من الْعَسْكَر وَكَانَ مَا سَيذكرُ.
وَأما حماه: فَكَانَ الطواشي مرشد قد تَأَخّر بهَا فَلَمَّا فتحت حلب توجه إِلَى الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماه بِدِمَشْق وَوصل كبراء حماه إِلَى حلب بمفاتيح حماه وَحملُوهَا إِلَى هولاكو فَأَمنَهُمْ وَأرْسل إِلَيْهِم شحنة أعجمياً ذكر أَنه من ذُرِّيَّة خَالِد بن الْوَلِيد اسْمه خسروشاه، وَكَانَ بقلعة حماه مُجَاهِد الدّين قيماز أَمِير جندار فَسلم إِلَيْهِ القلعة وَدخل فِي طَاعَة التتر وَبلغ النَّاصِر بِدِمَشْق أَخذ حلب فَرَحل بِمن بَقِي مَعَه من العساكر إِلَى الديار المصرية وَمَعَهُ الْمَنْصُور صَاحب حماه.
وَفِي غَزَّة انْضَمَّ إِلَى النَّاصِر مماليكه الَّذين أَرَادوا قَتله وَأَخُوهُ الظَّاهِر غَازِي وَبعد مسير النَّاصِر عَن نابلس وَصلهَا التتر وكبسوا الْأَمِير مجير الدّين بن أبي زَكَرِيَّاء والأمير عَليّ بن شُجَاع فِي جمَاعَة من الْعَسْكَر وَقتلُوا الأميرين الْمَذْكُورين، وَبلغ ذَلِك النَّاصِر فَرَحل إِلَى الْعَريش وَأرْسل القَاضِي برهَان الدّين بن الْخضر إِلَى المظفر قطز صَاحب مصر يطْلب مِنْهُ المعاضدة، وَوصل النَّاصِر والمنصور قطية فجرت بهَا فتْنَة بَين التركمان والأكراد الشهرزورية، وَنهب الجفال، ورحلت العساكر والمنصور صَاحب حماه إِلَى مصر، وَتَأَخر الْملك النَّاصِر فِي جمَاعَة يسيرَة فِي قطية مِنْهُم أَخُوهُ الظَّاهِر والصالح بن شيركوه صَاحب حمص وشهاب الدّين القيمري لخوف النَّاصِر أَن يقبض عَلَيْهِ قطز.
ثمَّ سَار النَّاصِر بِمن تَأَخّر مَعَه من قطية إِلَى تيه بني إِسْرَائِيل، وَلما وصلت العساكر إِلَى مصر تلقاهم قطز بالصالحية وَطيب قُلُوبهم وَأرْسل إِلَى الْمَنْصُور صَاحب حماه صنجقاً وَدخل الْقَاهِرَة، واستولت التتر على دمشق وَسَائِر الشَّام إِلَى غَزَّة وشحنوا فِي الْبِلَاد.
وَأما قلعة حلب: فَوَثَبَ جمَاعَة من أَهلهَا فِي مُدَّة الْحصار على صفي الدّين بن طزر رَئِيس حلب وعَلى نجم الدّين أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن القَاضِي نجم الدّين بن أبي عصرون فَقَتَلُوهُمَا اتهاماً بمواطأة التتر، ودام الْحصار شهرا، ثمَّ سلمت بالأمان يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر ربيع الأول، وَسلم هولاكو البحرية الَّذين حَبسهم النَّاصِر بهَا، وَمِنْهُم شكر وسنقر الْأَشْقَر إِلَى سُلْطَان جق بن أكَابِر القفجاق هرب من التتر لما غلبت على القفجاق، وَقدم إِلَى حلب فَأحْسن إِلَيْهِ الْملك النَّاصِر فَلم تطب لَهُ فَعَاد إِلَى التتر.
وَأما الْعَوام والغرباء فنزلوا إِلَى أَمَاكِن الْحمى الْمَذْكُورَة، وَأمر هولاكو أَن يمْضِي كل من سلم إِلَى دَاره وَملكه وَلَا يُعَارض، وَجعل النَّائِب بحلب عماد الدّين الْقزْوِينِي وَوصل إِلَى هولاكو على حلب الْأَشْرَف مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن شيركوه صَاحب حمص.
وَكَانَ قد انْفَرد عَن النَّاصِر لما توجه إِلَى جِهَة مصر فَأكْرمه وَأعَاد هولاكو عَلَيْهِ حمص، وَكَانَ قد أَخذهَا مِنْهُ النَّاصِر صَاحب حلب سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وعوضه تل بَاشر وَوصل إِلَى هولاكو أَيْضا بحلب مجير الدّين يحيى بن قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين

الصفحة 198