كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

مُحَمَّد بن أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الزكي من دمشق، فَأقبل عَلَيْهِ هولاكو وولاه قَضَاء الشَّام، وخلع عَلَيْهِ خلعة مذهبَة، وَكتب تَقْلِيده، وَاسْتقر فِي الْقَضَاء.
قلت: فعتب عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَغرب عَن وَطنه إِلَى الصَّعِيد، ثمَّ توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَالله أعلم.
ثمَّ رَحل هولاكو إِلَى حارم فامتنعوا أَن يسلموها لغير فَخر الدّين وَالِي قلعة حلب فأحضر وسلمت إِلَيْهِ، فَغَضب هولاكو بهم فَقتلُوا عَن آخِرهم وسبى النِّسَاء، ثمَّ عَاد هولاكو إِلَى الشرق وَأمر عماد الدّين الْقزْوِينِي بالرحيل إِلَى بَغْدَاد وَجعل مَكَانَهُ بحلب أعجمياً، وَأمر هولاكو بخراب أسوار قلعة حلب وسور الْمَدِينَة فخربت، وَخرب الْأَشْرَف مُوسَى سور قلعة حماه بِأَمْر هولاكو وأحرق زرد خانتها وبيعت الْكتب الَّتِي بدار السلطنة بقلعة حماه بأبخس الْأَثْمَان وَلم يخرب سور مَدِينَة حماه لِأَن إِبْرَاهِيم بن الإفرنجية ضَامِن الْجِهَة المفردة بحماه بذل لخسروشاه شحنتها جملَة كَثِيرَة، وَقَالَ الفرنج: قريب منا بحصن الأكراد، فأعفى سور الْمَدِينَة.
قلت: وَأَخْبرنِي وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى أَنه رأى شحنة التتر على قلعة المعرة وَقد سخر الْعَوام فِي تخريب سورها، وَفِي ذَلِك يَقُول بعض العريين تضميناً لبَعض قصيدة المتنبي:
(رفقا عَلَيْهَا قلعة مَنْعَة ... يَهْدِمهَا من هُوَ حزبها)

(فغاية المفرط فِي سلمهَا ... كغاية المفرط فِي حربها)

(تحثنا فِي هدمها أعجم ... وَنحن مكروبون من كربها)

(تبخل أَيْدِينَا بأرواحنا ... وتشتكي منا إِلَى رَبهَا)

(فَهَذِهِ الْأَرْوَاح من جوها ... وَهَذِه الْأَجْسَام من تربها)

(لما رأوها أسرفت فِي العلى ... كَانَ علاها مُنْتَهى ذنبها)

وَالله أعلم.
وَأمر هولاكو الْأَشْرَف بخراب قلعة حمص فخرب مِنْهَا الْيَسِير لكَونهَا لَهُ، وَأما دمشق فملكوا الْمَدِينَة بالأمان فَمَا نهبوا وَلَا قتلوا، وعصت قلعتها فنصبوا عَلَيْهَا المجانيق، ثمَّ تسلموها بالأمان منتصف جُمَادَى الأولى مِنْهَا ونهبوا مَا فِيهَا وخربوا سور القلعة وأحرقوا آلاتها وزرد خانتها ثمَّ نازلوا قلعة بعلبك.
وفيهَا: استولت التتر على ميافارقين بعد الْحصار سنتَيْن حَتَّى فنى أَهلهَا وَزَادَهُمْ وصاحبها الْكَامِل مُحَمَّد بن المظفر غَازِي بن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب مصابر ثَابت حَتَّى ضعف من عِنْده عَن الْقِتَال فاستولوا عَلَيْهَا وقتلوه وطافوا بِرَأْسِهِ فِي الْبِلَاد بالمغاني والطبول، وعلق رَأسه فِي شبكة بسور بَاب الفراديس إِلَى أَن عَادَتْ دمشق إِلَى الْمُسلمين فَدفن بمشهد الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ دَاخل بَاب الفراديس، وَفِيه يَقُول شهَاب الدّين بن أبي شامة:

الصفحة 199