كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

وفيهَا: لما أخذت من البرلي حلب، وَلم يبْق لَهُ غير البيرة سَار إِلَى الظَّاهِر مُطيعًا، فَكتب إِلَى النواب بالإقامات لَهُ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ حَتَّى وصل مصر ثَانِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا فَأكْرمه السُّلْطَان وَأَعْطَاهُ وألح على السُّلْطَان حَتَّى قبل مِنْهُ البيرة، وَلم يزل مَعَ الظَّاهِر حَتَّى تغير عَلَيْهِ، وَقَبضه فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ.
وفيهَا: فِي ذِي الْقعدَة قبض الظَّاهِر على نَائِبه بِدِمَشْق عَلَاء الدّين طبوس الوزيري لأمور كرهها مِنْهُ، وَاسْتمرّ فِي الْحَبْس سنة وشهراً، وولايته بِدِمَشْق سنة وَشهر، وَخرج من دمشق خلق هرباً من ظلمه، ثمَّ اسْتعْمل على دمشق جمال الدّين أقوش التجِيبِي الصَّالِحِي.
وفيهَا: أَوَاخِر ذِي الْحجَّة جلس الْملك الظَّاهِر مَجْلِسا عَاما، وأحضر شخصا كَانَ قدم إِلَى الديار المصرية سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة من نسل الْعَبَّاس اسْمه أَحْمد بعد أَن أثبت نسبه.
" وَبَايَعَهُ بالخلافة " وَالْقَضَاء والأمراء أَيْضا، ولقب الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَالْمَشْهُور عِنْد نسابه مصر أَنه أَحْمد بن الْحسن بن أبي بكر بن الْأَمِير أبي عَليّ القتبي بن الْأَمِير حسن بن الراشد بن المسترشد بن المستظهر، وَأما العباسيون السلمانيون فِي درج نسبهم الثَّابِت فَقَالُوا: هُوَ أَحْمد بن أبي عَليّ بن أبي بكر أَحْمد بن الإِمَام المسترشد الْفضل بن المستظهر وَلما جرى ذَلِك ترك الْمَذْكُور فِي برج محترزاً عَلَيْهِ، وَلم يتْرك لَهُ غير الدُّعَاء فِي الْخطْبَة.
وفيهَا: بِمصْر توفّي الشَّيْخ عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام الدِّمَشْقِي الإِمَام فِي مَذْهَب الشَّافِعِي، وَله مصنفات جليلة.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة توفّي الصاحب كَمَال الدّين عمر بن أَحْمد بن هبة الله بن العديم، فَاضل كَبِير الْقدر، انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة أَصْحَاب أبي حنيفَة وَله تَارِيخ حلب وَغَيره، جفل إِلَى مصر من التتر، وَلما عَاد وَرَأى أَحْوَال حلب قَالَ قصيدة طَوِيلَة مِنْهَا:
(هُوَ الدَّهْر مَا تبنيه كَفاك بهدم ... وَإِن رمت إنصافاً لَدَيْهِ فتظلم)

(أباد مُلُوك الْفرس جمعا وقيصراً ... وأصمت لَدَى فرسانها مِنْهُ أسْهم)

(وأفنى بني أَيُّوب مَعَ كثر جمعهم ... وَمَا مِنْهُم إِلَّا مليك مُعظم)

(وَملك بني الْعَبَّاس زَالَ وَلم يدع ... لَهُم أثرا من بعدهمْ وهم هم)

(وأعتابهم أضحت تداس وعهدها ... تباس بأفواه الْمُلُوك وتلثم)

(وَعَن حلب مَا شِئْت قل من عجائب ... أحل بهَا يَا صَاح إِن كَانَت تعلم)

(فيا لَك من يَوْم شَدِيد لغامه ... وَقد أَصبَحت فِيهِ الْمَسَاجِد تهدم)

(وَقد درست تِلْكَ الْمدَارِس وارتمت ... مصاحفها فَوق الثرى وَهِي ضخم)

(ولكنما لله فِي ذَا مَشِيئَة ... فيفعل فِينَا مَا يَشَاء وَيحكم)

قلت: رَأَيْت مقَامه مرصعة وَضعهَا الشَّيْخ جمال الدّين عمر بن إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن

الصفحة 208