كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

وَمِنْه: وَأما الْإِشَارَة الْكَرِيمَة إِلَى مَا ذكره من حُقُوق يُوجِبهَا الْإِقْرَار وعهود أمنت بدورها من السرَار وَنحن بِحَمْد الله فعندنا تِلْكَ العهود ملحوظة، وَتلك المودات مَحْفُوظَة فالمولى يعِيش قرير الْعين فَمَا ثمَّ إِلَّا مَا يسره من إِقَامَة وَلَده مقَامه لَا يحول وَلَا يَزُول وَلَا يرى على ذَلِك ذلة وَلَا ذُهُول وَيكون طيب النَّفس مستديم الْأنس بِصدق الْعَهْد الْقَدِيم وَبِكُل مَا يُؤثر من خير مُقيم.
وَكَانَ الْملك الْمَنْصُور فطناً ذكياً مَقْبُولًا حَلِيمًا حَتَّى أَن الْملك الظَّاهِر قدم مرّة حماه وَنزل بدار المبارز فَرفع فِي الْمَنْصُور عدَّة قصَص من حماه فَجمعت فِي منديل وحملت إِلَى صَاحب حماه بِأَمْر الظَّاهِر فتهدد بعض الْجَمَاعَة رافعيها فأحرقها الْمَنْصُور وَلم يقف على شَيْء مِنْهَا لِئَلَّا يتَغَيَّر خاطره على رافعيها.
وَلما بلغ السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاوون وَفَاة الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماه ولى الْملك المظفر مُحَمَّد بن الْمَنْصُور مُحَمَّد حماه على قَاعِدَته وَأرْسل إِلَيْهِ وَإِلَى عَمه الْملك الْأَفْضَل وَإِلَى أَوْلَاده التشاريف ومكاتبة إِلَى المظفر بعد الْبَسْمَلَة الْمَمْلُوك قلاوون أعز الله نصْرَة الْمقَام العالي المولوي السلطاني الملكي المظفري التقوي، وَنزع عَنهُ الْبَأْس وَألبسهُ حلل السعد المجلوة على أعين النَّاس وَهُوَ يخْدم خدمَة بولاء أثمرت غصونه وزهت أفنانه وفنونه.
وَمِنْهَا: وَقد سيرنا الْمجْلس السَّامِي جمال الدّين أقوش الْموصِلِي الْحَاجِب وأصحبناه من الملبوس الشريف مَا يُغير بِهِ لِبَاس الْحزن ويتجلى فِي مطلعه ضِيَاء وَجهه الْحسن، وتنجلي بذلك غيوم تِلْكَ الغموم، وَأَرْسَلْنَا أَيْضا صحبته مَا يلْبسهُ هُوَ وذووه كَمَا يَبْدُو الْبَدْر بَين النُّجُوم، وَآخره كتب فِي عشْرين شَوَّال سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة.
قلت: وَفِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ جَاءَت الزِّيَادَة الْكُبْرَى بِدِمَشْق لَيْلًا وارتفع المَال على جسر بَاب الْفرج قامة، وَكَانَ السُّلْطَان بالقلعة وَذهب من أَمْوَال الْعَسْكَر حول بردى مَا لَا يُحْصى.
وفيهَا: مَاتَ قَاضِي الْإسْكَنْدَريَّة وفاضلها الْعَلامَة نَاصِر الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمُنِير الحذامي الْمَالِكِي صَاحب التصانيف وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة.
وفيهَا: مَاتَ أَمِير الْعَرَب عِيسَى بن مهنا وقاضي الْقُضَاة بِدِمَشْق عز الدّين مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن الصَّائِغ الشَّافِعِي وَله خمس وَخَمْسُونَ سنة وَكَانَ من قُضَاة الْعدْل رَحمَه الله تَعَالَى وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة: فِيهَا فِي صفر ركب السُّلْطَان الْملك المظفر صَاحب حماه بشعار السلطنة بِدِمَشْق وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان الْمَنْصُور قلاوون وصل فِي أَوَاخِر الْمحرم إِلَى دمشق بعسكره وجاءه المظفر وَالْأَفْضَل من حماه فأكرمهما وَأرْسل إِلَى المظفر ثَالِث يَوْم وُصُوله التَّقْلِيد بحماه والمعرة وبارين والتشريف وشعار السلطنة فَركب المظفر

الصفحة 225